تمغربيت:
كثر الحديث عن فرضية وجود “وساطة قطرية” بين الجزائر والمغرب.. فمن مؤكد لها ومن منكر.. ومن متسائل عن أي البلدين كانت له المبادرة إلخ.
لكن القول الفصل جاء على لسان وزير الخارجية القطري، ماجد الأنصاري، الذي كشف عن استعداد قطر للوساطة بين البلدين الجارين.. ولاوجود لها حاليا (مجرد استعداد)، وأن المحادثات تهم العلاقات الثنائية بين قطر والمغرب من جهة وقطر والجزائر من جهة أخرى.. على الشكل والطريقة الثنائية العادية ولا وجود لمحادثات ثلاثية..
هذا المعطى يدل على وجود رغبة وإلحاح لعودة الأمن والاستقرار في المنطقة (الساحل والصحراء والمغرب الكبير) ومحاصرة النفوذ الروسي المتزايد في إفريقيا.. والذي استغل الأوضاع لملئ الفراغ الفرنسي بعد طرد الأفارقة لفرنسا الاستعمارية تباعا من مالي إلى بوركينا فاسو ووصولا إلى النيجر الآن.
أسباب المعضلة ..
لقد أصبحت المعضلة في المنطقة برمتها واضحة للعيان، وعلى رأسها نزاع الصحراء المفتعل.. وهذا ما يفسر نية قطر واستعدادها لهكذا وساطة.. وذلك بالرغم من العداء المبطن لقطر اتجاه المملكة المغربية وعدم اعتراف “إعلامها الرسمي” بمغربية الصحراء.. واحتضانها للأبواق الإعلامية الجزائرية التي اتخذت من قطر منصة لمهاجمة المغرب ورموزه وثوابته.
فهل من توجه لحل المشاكل الواقعة بين المغرب والجزائر؟ وهل من مؤشرات تفيد بأن الأمور ستسير في هذا الاتجاه؟
على الجانب المغربي..
على الجانب المغربي، وبمناسبة عيد العرش الأخير، مد الملك المغربي، مرة أخرى، يد المصالحة وفتح الحدود والشروع في بناء الاتحاد المغاربي على أسس من الاحترام المتبادل.. ووصف جلالته العلاقات المغربية الجزائرية ب”المستقرة”. وهذا مؤشر على أن الأمور في العمق والحقيقة بالفعل، خلاف ما يظهر على السطح من مشادات كلامية عبر الصحافة وتصريحات تبون ووزراؤه والعسكر الحاكم.. أو هي ربما رسالة إلى الداخل الجزائري مفادها أن التصعيد الإعلامي الجزائري هو موجه للاستغلال الداخلي ولا علاقة له بما يقع على الأرض.
على الجانب الجزائري..
أما من جهة المؤسسة العسكرية الجزائرية، فتأرجح أجنحتها المتعددة، يمكن أن يدفعها لهكذا سيناريو وساطة ما للخروج من هذا الوضع المتأزم (داخليا وإقليميا).. فهناك جناح ينادي بمصلحة الجزائر أولا وأخيرا.. بعيدا عن الدور الوظيفي الذي تلعبه مؤسسة العسكر سواء في جناحها التابع للفرانسيس أو الجناح التابع للروس.. حيث هناك جناح عسكري وظيفي متفرنس، يقابله جناح تابع للروس، يدعو كل منهما إلى دعم لوجيستي لفرنسا أو روسيا.. ثلاثة مواقف متناقضة ومتعارضة، لثلاث أجنحة داخل جيش حاكم واحد.. ربما يدفع الجزائر لهكذا سيناريو للقبول بحوار جدي ووساطة جدية تحلحل الأمور في المنطقة للخروج من المأزق الداخلي والمآزق الخارجية المتعددة..
من جانبها، تتحرك أمريكا ومن أجل محاصرة التغلغل الروسي في إفريقيا (عسكريا وسياسيا).. بعد انسحاب فرنسا من أكثر من بلد إفريقي، ولا يمكن إلا أن ترى مصالحة جزائرية مغربية عبر إنهاء ملف الصحراء المفتعل.. في محاولة للتركيز على الإرهاب المتنامي في المنطقة : منطقة الساحل وخصوصا بعد انقلاب النيجر التي يخشى أنها ستكون ملجئا وقاعدة تنضاف للقواعد الجهادية العابرة للقارات.. وفي محاولة منها لإرساء مصالحها في المغرب كما في الجزائر.
روسيا أيضا ترى نفسها في مأزق إن لم تتم مساندتها لوجيستيا من طرف الجزائر (وهو ما لا تريده فرنسا).. فالسيناريو الذي أخرج فرنسا من مالي وبركينافاسو والنيجر، سيتكرر، مؤكد، مع جيشها وميليشيلتها.. خاصة #الفاغنر_في_مالي وموريتانيا وإفريقيا الوسطى
فرنسا هي الأخرى في أسوء حالاتها بعد انقلاب النيجر.. فهي لا تستطيع لعب دور عسكري في النيجر حاليا إلا بدعم لوجيستي جزائري (وهو مالا تريده روسيا).. فضلا عن تأزم علاقاتها مع المغرب ومع الجزائر تمر نفس العلاقات بضباب كثيف..
وبالتالي، هذه الأنظمة المتضررة من هذا الانفلات الأمني في إفريقيا، واللاعبة على المستوى الدولي والإقليمي.. من مصلحتها حلحلة هذا النزاع المفتعل.. فالسياقات الجيوسياسية والاستراتيجية تتغير بشكل متسارع في إفريقيا، والخرائط والولاءات تتغير.. وبالتالي أصبحت المصالحة ضرورة جيو سياسية تفرضها التغيرات الإقليمية في المنطقة، وتثمنها القوى الكبرى أيضا.