تمغربيت : فتيحة شاطر
في خضم التحركات الأممية والدبلوماسية المتسارعة بخصوص ملف الصحراء المغربية، برز الموقف الأميركي مؤخراً بوضوح أكبر من أي وقت مضى، بعدما جدّد مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط، مسعد بولس، تأكيده للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بأن لا جدوى من مفاوضات تُدار خارج إطار مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب. هذا الموقف، الذي يبدو للوهلة الأولى استمراراً لاعتراف إدارة ترامب بمغربية الصحراء سنة 2020، يتجاوز في مضمونه منطق الدعم السياسي التقليدي ليصبح بمثابة رسم لخارطة طريق جديدة أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
منذ سنوات، ظلّ المسار الأممي المتعلق بالصحراء يدور في حلقة مفرغة، حيث كانت كل جولة مفاوضات تنتهي بلا نتائج ملموسة، فيما يواصل المغرب ترسيخ حضوره وتنميته في أقاليمه الجنوبية، مع تعزيز البنية التحتية وجذب الاستثمارات وتكريس واقع جديد على الأرض. في المقابل، بقيت جبهة البوليساريو تراهن على شعارات قديمة وبدائل وهمية لم تعد تحظى بتأييد دولي واسع، خصوصاً بعد أن بدأت عدة قوى مؤثرة تعتبر مبادرة الحكم الذاتي الخيار الواقعي الوحيد لتسوية النزاع.
ما فعله بولس خلال لقائه بدي ميستورا هو أنه حسم النقاش من زاوية استراتيجية: الولايات المتحدة، العضو الدائم في مجلس الأمن وصاحبة الكلمة الفصل في صياغة القرارات الأممية، ترى أن أي مسار خارج الحكم الذاتي لا يعدو أن يكون مضيعة للوقت. هذه الرسالة، الموجهة بوضوح إلى الأطراف المترددة في أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، تحمل دلالات قوية مفادها أن واشنطن لم تعد تريد إدارة النزاع، بل تدفع نحو إنهائه على قاعدة واحدة هي الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
الأهمية الكبرى لهذا الموقف تكمن في توقيته. ففي أكتوبر المقبل، يقدم دي ميستورا إحاطته أمام مجلس الأمن، ومعها يُتوقع صدور قرار جديد حول الصحراء. وبما أن الولايات المتحدة هي من يتولى عادة صياغة القرار (حاملة القلم)، فإن موقفها سيُترجم بشكل مباشر في نص القرار وفقراته. هذا يعني أن لغة “الحل الواقعي والجاد والمستدام” التي دأب المجلس على اعتمادها، ستجد ترجمتها العملية في دعم صريح لمبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الإطار الوحيد القابل للتنفيذ.
من جهة أخرى، يعكس التشديد الأميركي إدراكاً بأن استمرار النزاع بلا حل لا يخدم استقرار شمال أفريقيا ولا منطقة الساحل، حيث تتزايد التحديات الأمنية والإرهابية. المغرب، بصفته شريكاً إستراتيجياً لواشنطن في محاربة الإرهاب وإدارة ملف الهجرة وتعزيز التنمية، يُنظر إليه اليوم كفاعل مركزي لضمان الأمن الإقليمي. وبالتالي، فإن تثبيت سيادته على أقاليمه الجنوبية يعزز من استقراره الداخلي، ويمنحه وزناً أكبر في معادلة الأمن القاري والدولي.
الموقف الأميركي يحمل كذلك رسالة واضحة إلى الأطراف الأخرى، خصوصاً الجزائر، بأن محاولات إطالة أمد النزاع أو المناورة عبر مسارات جانبية خارج إطار الأمم المتحدة لن تجدي نفعاً. فالبيت الأبيض، سواء في عهد الجمهوريين أو الديمقراطيين، رسّخ منذ 2020 قناعة ثابتة: لا رجعة عن الاعتراف بمغربية الصحراء، ولا إمكانية لمقاربة بديلة خارج مبادرة الحكم الذاتي.
هكذا يتضح أن لقاء بولس بدي ميستورا لم يكن مجرد تواصل بروتوكولي، بل خطوة مدروسة تهدف إلى إعادة ضبط بوصلة النقاش الأممي، ووضع سقف واضح للمفاوضات. وإذا ما تُرجم هذا الموقف الأميركي القوي في قرار مجلس الأمن المقبل، فإن القضية ستدخل مرحلة جديدة يكون فيها المغرب في موقع متقدّم، مستفيداً من الدعم الدولي المتزايد، فيما تجد الأطراف الأخرى نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: الانخراط في حل واقعي وعملي، أو البقاء خارج الزمن السياسي والدبلوماسي.
وبينما يواصل المغرب تنزيل مشاريعه التنموية في العيون والداخلة وباقي مدن الصحراء، يبدو أن العالم يقترب أكثر فأكثر من تبني قناعة واحدة: مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية ليست مجرد اقتراح على طاولة المفاوضات، بل هي الحل الوحيد الممكن لإنهاء نزاع إقليمي طال أمده، وحان الوقت لوضع نقطة النهاية فيه