تمغربيت : وفاء حلاق
يجسد المغرب على مر العصور نموذجا فريدا في التعايش الديني والثقافي، حيث تعانقت على أرضه مختلف الديانات والحضارات في جو من الاحترام المتبادل.
فمنذ عهد الدولة الإدريسية، تميزت المملكة بالاستقرار السياسي والاختيار السني المعتدل، مما جعلها أرضا للسلام والانفتاح ومركزا للتفاعل الحضاري.
لقد برهن الملوك المغاربة على مر التاريخ عن التزام راسخ بقيم الإنسانية. فقد حمى المغفور له الملك محمد الخامس اليهود المغاربة من بطش النازية ونظام فيشي، فيما كرس الملك الحسن الثاني أواصر الإخاء بين المسلمين واليهود داخل المغرب وخارجه. واستمر هذا النهج مع الملك محمد السادس الذي رسخ صورة المغرب كأرض للتسامح والانفتاح في الداخل وعلى الساحة الدولية.
وجاء دستور 2011 ليترجم هذا الرصيد التاريخي في صيغة قانونية متقدمة، حيث أكد أن الإسلام دين الدولة، وفي الوقت ذاته يضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية للجميع. هذه الصيغة المتوازنة تجعل المغرب نموذجا لدول أخرى تبحث عن التوفيق بين الهوية الدينية وحرية المعتقد.
وفي ظل قيادة الملك محمد السادس، عزز المغرب مكانته كمنارة للتعايش عبر مؤسسات رائدة مثل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي تعمل على نشر قيم الوسطية ومحاربة الفكر المتطرف. كما احتضنت المملكة قمما وملتقيات دولية كبرى، مثل المنتدى العالمي لتحالف الحضارات بفاس، حيث أشاد المجتمع الدولي بالنموذج المغربي في إشاعة السلام.
إن الدبلوماسية الدينية المغربية تميزت بعمقها الإفريقي والإنساني، إذ قدمت المملكة تكوينا دينيا رصينا للأئمة القادمين من إفريقيا وأوروبا، في إطار رؤية شمولية لمكافحة التطرف وتعزيز الاعتدال. ولم يكن هذا سوى امتداد لدور المغرب في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وفي شراكاته مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لمواجهة آفات العنف والكراهية.
وقد جسد استقبال الملك محمد السادس للبابا فرانسيس، وتوقيعهما على “نداء القدس” مثالا حيا على التقاء الديانات السماوية في المغرب، باعتباره أرضا للسلام ورمزا للتعايش. وهو امتداد للمبادرات السابقة، مثل استقبال البابا يوحنا بولس الثاني في عهد الملك الحسن الثاني سنة 1985، في أول زيارة يقوم بها بابا إلى بلد إسلامي.
ولأن المغرب مؤمن برسالته الكونية، فقد نقل تجربته في التعايش إلى العالم عبر تنظيم مؤتمرات الحوار بين الأديان، والمشاركة الفعّالة في التحالفات الدولية لمواجهة التطرف. وقد لخص الممثل السامي لتحالف الحضارات ميغيل موراتينوس هذا التميز بقوله: “ما نجح في المغرب يمكن أن ينجح في العالم”.
لهذا، إن المغرب بفضل إرثه الحضاري وقيادته الحكيمة، يقدم للعالم نموذجا عمليا في التعايش السلمي والدبلوماسية الحضارية. إنه نموذج يجمع بين الأصالة والانفتاح، ويبرهن على أن الدين يمكن أن يكون حصنا للسلام لا أداة للصراع. ولعل تنظيم مؤتمر دولي للتعايش بالمغرب سيكون خطوة إضافية لترسيخ هذا النموذج ونشره عالميا.