تمغربيت : رحاب الغرباوي
تيانجين مدينة الموانئ شمال الصين تستيقظ هذا الأسبوع على خطوات قادة العالم. هنا حيث تتقاطع الطرق البحرية والتجارية يلتقي نحو عشرين رئيس دولة وحكومة على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون ليس لمجرد الاجتماعات الدبلوماسية بل لصياغة تحالفات تؤثر في نصف سكان الكرة الأرضية في كل اجتماع ثنائي وكل توقيع اتفاق، تتكشف لعبة نفوذ تمتد من آسيا الوسطى إلى جنوب آسيا، ومن طموحات الصين الاقتصادية إلى التوازنات العسكرية في أوكرانيا وتايوان. هذه القمة، الأكبر منذ تأسيس المنظمة، ليست حدثا روتينيا إنها لحظة يختبر فيها العالم قدرة القوى على التوافق، أو على الاحتكاك، في زمن متعدد الأقطاب.
تأسست منظمة شنغهاي للتعاون في 15 يونيو 2001 بمدينة شنغهاي الصينية بمبادرة من الصين وروسيا وعدد من دول آسيا الوسطى وهي كازاخستان وقيرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان هدفها الأساسي كان خلق منصة للتعاون الأمني والسياسي والاقتصادي في المنطقة، ومحاربة الإرهاب والتطرف، وإيجاد توازن بين القوى الكبرى في أوراسيا مع مرور السنوات، توسعت عضوية المنظمة لتشمل الهند وباكستان، لتصبح قوة إقليمية وعالمية مهمة من بين الخصائص المميزة لمنظمة شنغهاي للتعاون وجود دول تحمل صفة “شريك حوار”، وهي دول ليست أعضاء كاملين في المنظمة لكنها تشارك في اجتماعاتها وأنشطتها الاقتصادية والسياسية والأمنية يتيح هذا الوضع لهذه الدول فرصة المساهمة في النقاشات والتعاون في المشاريع المشتركة، مع الحفاظ على حق المنظمة في إدارة قراراتها بشكل مستقل، دون منحهم حق التصويت. تمثل صفة شريك الحوار آلية لتعزيز النفوذ الإقليمي والدولي للمنظمة، وتوسيع شبكة التعاون خارج حدودها التقليدية، كما توفر للدول الراغبة فرصة تدريجية للاقتراب من العضوية الكاملة مستقبلا وفي هدا صدد و إلى جانب الدول الأعضاء، هناك 14 دولة بصفة “شريك حوار”، من بينها دول عربية مثل مصر والسعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين.
تستضيف مدينة تيانجين القمة هذا العام بحضور نحو عشرين رئيس دولة وحكومة، أبرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي يقوم بأول زيارة له للصين منذ 2018 لتعزيز التعاون بعد اشتباكات 2020 على الحدود مع الصين وموازنة النفوذ الأمريكي في جنوب آسيا، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يبرز الدور التركي كمحور استراتيجي بين آسيا وأوروبا، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيس الوزراء المصري مصطفى المدبولي لتأكيد أهمية المنظمة في التعاون الدولي متعدد الأطراف ومشاركة الدول العربية.
تتناول القمة ملفات حساسة تشمل التوترات عبر مضيق تايوان، والحرب في أوكرانيا وآثارها الاقتصادية والأمنية، والمنافسة التجارية بين القوى الكبرى، والملف النووي الإيراني، إضافة إلى قضايا الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية. وتتيح الاجتماعات الثنائية على هامش القمة فرصة للزعماء لتعزيز التعاون الإقليمي، وإيجاد حلول للنزاعات، ووضع سياسات مشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي.
الصين ترى في هذه القمة منصة لتأكيد موقعها كفاعل رئيسي في السياسة الدولية ومروج للتعددية والتعاون متعدد الأطراف تتزامن القمة هذا العام مع عرض عسكري ضخم في بكين بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، بحضور زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ما يعكس النفوذ الصيني الإقليمي والدولي وأهمية الصين في صياغة سياسات القوة والاقتصاد في أوراسيا.
تمثل القمة فرصة لتعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء في مجالات الأمن، مكافحة الإرهاب، تطوير البنية التحتية، وتوسيع التبادل التجاري، لكنها في الوقت نفسه تمثل تحديا لإيجاد توازن بين مصالح الدول المختلفة، خاصة مع التباين الكبير في السياسات الداخلية والاقتصادية بين القوى الكبرى مثل الصين وروسيا والهند وباكستان. كما تعكس القمة قدرة المنظمة على إدارة الخلافات بين أعضائها وتحويل المنافسة إلى فرص تعاون، بما يسهم في تعزيز استقرار المنطقة واستدامة التنمية الاقتصادية.
قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل منصة فعلية لتشكيل التوازنات العالمية وإعادة تعريف التحالفات في زمن متعدد الأقطاب، تبرز الحاجة إلى الحوار والتوافق كأدوات لتحقيق الأمن والاستقرار، وتذكر القمة العالم بأن القدرة على التعاون المشترك بين القوى الكبرى هي مفتاح مواجهة التحديات المعقدة التي تشكل حاضر ومستقبل البشرية، وأن التعددية والمنصات الجماعية هي السبيل للحفاظ على توازن دولي أكثر استدامة وعدالة.