تمغربيت :تفاكر .. مع الحسن شلال
لقد ترك نظام آل الأسد ونظام القدافي ونظام صدام وغيره في اليمن والسودان إرثا خبيثا تمثل في نشر العنف والتطرف مصحوبا بالطائفية والعنصرية وخطابات الكراهية والتخندقات والصراعات الإيديلوجية القاتلة .. والنتيجة كانت على شكل انقسامات مجتمعية على مستويات وأبعاد متعددة، ثقافية ودينية وعرقية واجتماعية ..
ورغم مقدرة الثورات والانتفاضات العربية من إسقاط أنظمة استبدادية عسكرياتية عنيفة للغاية استعملت إرهاب الدولة بأقسى ما يمكنها ضد شعوبها ، إلا أنها لم تستطع التغلب على تركة تلك الأنظمة التي رسختها في شعوبها لمدة عقود عقود من قبيل نشر العنف المصحوب بالتعبئة الطائفية وحملة الكراهية والعنصرية؛ كاستراتيجية لدولة الاستبداد وفكر الدكتاتور لحشد الجماهير وضمان الولاء السياسي له ولأفكاره ولنظامه السياسي..
فكان ماكان من تقسيم واقتتال وحروب أهلية وحراك عنيف بين شيعة وسنة وذروز وعلويين وأكراد وقبائل من هنا وقبائل من هناك .. في العراق كما في اليمن، وفي سوريا (الجديدة) كما في لبنان، وفي السودان كما في ليبيا وقمع وحراك في تونس..
وعوض حماية المدنيين، وتحسين الظروف المعيشية، واقتراح نماذج اقتصادية وتنموية تشاركية، استمرت الأزمات ولم يتغير شيء بعد إسقاط الأنظمة المستبدة .. مما أدى إلى تعميق انعدام الثقة، كما وأدى إلى التشكيك في صدقية الحكومات المركزية التي جاءت بعد انهيار الأنظمة العسكرياتية العربية..
فسقط الطاغية ولم يُرفَع الظلم، وسقط الظالم ولم يتبدد الظلم وسقط الديكتاتور ولم تسقط الديكتاتورية. !
إذ بقيت الكراهية والعنصرية والطائفية والتخندقات الإيديولوجية مكرسة داخل المجتمعات العربية ولم تنتصر عليها الشعوب العربية ..
وكما صور الكاتب الصحفي فيصل القاسم هذه الإشكالية بشكل ممتاز .. يقول:
“سقط الديكتاتور ولم تسقط الديكتاتورية..
تحتاج الشعوب الخارجة من تحت الديكتاتوريات ربما لعقود كي تصبح شعوباً مدنية جديدة.
صحيح ان الديكتاتور قد سقط في بعض البلدان، لكنه ترك كل أوساخ وعقلية الديكتاتورية في كل واحد من الشعوب. وأكثر ما يضحكني هم بتوع شعارات الديموخراطية والعلمانجية والحرية والمدنية الذين إذا لم تعجبهم جملة صغيرة واحدة في منشور بسيط جداً، يهددون صاحبها فوراً بالقتل والتصفية ولا يتركون وسيلة قذرة إلا ويستخدمونها لتشويه سمعته لمجرد أنه كان متوازناً في طرحه، فما بالك لا سمح الله لو عارضهم.
مازال ضحايا الديكتاتورية الساقطة وسيبقون لوقت طويل يمارسون هواياتهم الديكتاتورية في الطائفية والمذهببة والتخوين السياسي والتكفير الديني، بينما يجلس الطغاة الساقطون وهم يفركون أيديهم فرحاً بذريتهم المُطيعة بشقيها الديني والعلمانجي التي تستمر في حروبها العبثية الإقصائية الاستئصالية فيما بينها وبطريقة تجعلها تبدو أسوأ بكثير من الطواغيت الساقيطن أنفسهم .
سقط الديكتاتوريون لكن الديكتاتورية تزداد ضراوة وهمجية ووحشية ودموية.
ش عمي ش” (انتهى)
خلاصة القول، أن الشعوب العربية ورغم انتصارها على أنظمة عربية استبدادية ، لم تستطع بناء دولة مستقلة وذات سيادة، وتنمية بشرية واقتصادية، تمكنها من الخروج من عنق الزجاجة ..
آآآآهٍ .. لقد تركت الأنظمة القومية العربية المستبدة ظلالا لها، ما زالت مستمرة في أعماق وعي ولاوعي الشعوب العربية .. وما لم تنتصر تلك الشعوب على تلك الظلال من الإرث الفاسد الذي تركته فيهم تلك الأنظمة البائدة، فلا مجال للحديث عن انتصار ونهوض ومستقبل !!!