تمغربيت:
* تقديم
استقبلت قناة أسعد الشرعي في أولى حلقاتها الرمضانية د. عبد الحق الصنايبي كأول ضيف.. وكان السيد الشرعي متسائلا فيها أكثر منه مناقشا، ومنصتا فيها أكثر منه متدخلا.. ذلك أنه كما يعترف في مقطع أخر، اندهش وانصدم بجدّ، لغزارة ودقة المعطيات التي أدلى بها صاحب الثقة فالوثيقة، بوثائق دامغة لا تخرج عن مصادر ومراجع جزائرية تعود لقادة تاريخيين جزائريين أو دبلوماسيين فرنسيين، إمعانا في الموضوعية والعلمية التي يتطلبها أي كلام أو نبش أو نقاش أو بحث في التاريخ.
وحول سؤال مفهوم الأمة والدولة الأمة وتاريخ الأمة التي تميزت والتصقت بالمملكة الشريفة .. واللا أمة واللا دولة التي تميز جغرافيا الجزائر.. قال د. عبد الحق الصنايبي في الشق الأول من الموضوع:
* في مفهوم الأمة والدولة الأمة
تعريف مفهوم ومصطلح الأمة والدولة الأمة مهمة شائكة. حيث نجد من يربطه بالمعطى الديني.. بينما البعض الأخر يربطه بالمعطى التاريخي.. وصنف ثالث يربطه بعلم الاجتماع السياسي، وهو ما سوف ننطلق على أساسه.. فالحديث عن الدولة والأمة يدور حول الحديث عن جماعة بشرية – تعيش في وطن معين وسط حدود معروفة – وتمتد استمرارية السلطة فيها لقرون وقرون عبر تاريخها.. إحالة على العناصر والمكونات (الشعب – الإقليم – السلطة السياسية المنظمة).
هذه الأمة تكون معروفة التسمية، معروفة المرجعية، لها كما يقول رالف لينتون Ralph Linton شخصية أساسية؛ تفرقها عن الشخصية الوظيفية التي يمكن أن تشترك فيها مع باقي الأمم.
فالأمة والدولة الأمة؛ تمتلك عنصر الرقعة الجغرافية بحدودها – كما تمتلك عنصر السلطة السياسية المنظمة والواضحة – كما تمتلك عنصر الجماعة والشعب الذي يساهم في بلورة وصناعة القرار السياسي (فكما كانت تمثله الجماعة قديما.. حاليا هناك تمثيلية الشعب عبر الانتخابات بأصنافها: المحلية والتشريعية والجهوية والاستفتاء الخ) حيث يتم ما يطلق عليه ويسمى بالتعاقد السياسي والاجتماعي، ما بين المواطنين (من عناصر الأمة) وما بين السلطة السياسية (من مكونات الأمة أيضا) والتي تمر في النموذج المغربي، عبر البيعة. بيعة يتم تجديدها كل سنة خلال حفلة الولاء التي يؤديها حسب الطقوس المغربية جميع مكونات وممثلي الأمة من برلمانيين ومستشارين ووزراء ووو.
فضلا عن امتلاك استقلالية وسيادة، وكذلك اعترافا دوليا بهذه الأمة وهذه الدولة الأمة، من خلال مجموعة من الاتفاقيات الدولية، ومجموعة من التمثيليات الدبلوماسية، ومجموعة من العلاقات الدولية، التي تكون موثقة وتاريخية ومرسَّخة.. وبالتالي تمتلك ما نسميه “بالشخصية القانونية الدولية”..
لذلك نجد أن الإمبراطوريات مثل إسبانيا والبرتغال وروسيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية دائما ما يخاطبون المملكة المغربية قبل وعبر قرون، بلقب الإمبراطورية الشريفة؛ وهو لقب لا يُمنَح إلا للأمم والدول العظيمة باعتراف وإقرار من المجتمع الدولي.
* مثال عن تأسيس الدولة الأمة للولايات المتحدة الأمريكية
ما قيل سابقا، نراه متجسدا في النموذج الأمريكي. لذلك نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق مختلف رؤسائها، دائما ما تذكر وتُذكِّر، بأن المغرب هو أول دولة اعترفت بالولايات المتحدة الأمريكية (1777م). ذلك لأنها تؤرخ للحظة تاريخية ومفصلية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية (المتعلق بنشوء الدولة الأمة).. بهذا يكون المغرب هو من ساهم في إعطاء الولايات المتحدة الأمريكية ذلك التواجد القانوني الدولي، وتلك الشخصية القانونية الدولية التي لا يمكن أن نطلق لقب دولة أمة عليها ما لم يتوفر لها اعترافا على المستوى الدولي.