تمغربيت: فتيحة شاطر
في قلب المغرب الكبير وشمال إفريقيا، يتحول المغرب بسرعة مذهلة، محمولا على طموح اقتصادي وبنيوي يبعث الحياة في أرجاء المملكة. بين القطارات الحديثة، والمصانع المتطورة، والمشاريع الطاقية الجريئة، يفرض المغرب نفسه كمحرك للتنمية الإقليمية، تاركا الجزائر المجاورة (في خبر كان) في ظل اقتصاد هش واستثمارات متعثرة.
ثورة سككية بـ 1.5 مليار دولار
لا يدخر المغرب جهدا لربط مدنه وتهيئة مستقبله. فقد حصلت شركة “هيونداي روتيم” الكورية الجنوبية العملاقة على عقد تاريخي بقيمة 1.54 مليار دولار من المكتب الوطني للسكك الحديدية (ONCF) لتوفير قطارات كهربائية ذات طابقين، صديقة للبيئة وسريعة، قادرة على السير بسرعة 160 كلم/ساعة. ستربط هذه القطارات المدن المغربية الكبرى بالدار البيضاء، مع تسليم ممتد حتى عام 2034. بل إن جزءا من الإنتاج سيتم محليا، مما يعزز الصناعة المغربية وامتلاك تكنولوجيا صناعة القطارات .. استعدادا لاستضافة كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
ويضاف إلى ذلك التزام الشركة الإسبانية “كاف” بتزويد المغرب بـ 40 قطارا بينيا، وشراكة مع “ألستوم” لتوفير 18 قطارا فائق السرعة. هذه المشاريع، المصحوبة بنقل التكنولوجيا وإنشاء مصانع محلية، ترسم ملامح منظومة سككية قوية، جاهزة للتألق خارج الحدود.
في المقابل، تعاني الجزائر من جمود في بنيتها السككية.. الاستثمارات الضخمة غائبة، والشبكة القديمة تكافح لتلبية احتياجات سكانها المتزايدين. وبينما يراهن المغرب على شراكات دولية لتحديث شبكته، تظل الجزائر عالقة في اعتمادها على عائدات النفط، مما يحد من طموحاتها اللوجستية.
الطاقة والصناعة: المغرب يراهن على المستقبل
بعيداًعن السكك، يكهرب المغرب اقتصاده. في فاس، افتتحت شركة “زينكو”، التابعة لمجموعة “زينلك”، خط إنتاج لعدادات كهربائية ذكية باستثمار 12 مليون درهم، موفرة 71 فرصة عمل جديدة وتستهدف قدرة إنتاجية تصل إلى 900 ألف وحدة سنويا. هذا الابتكار يندرج ضمن استراتيجية طاقية وطنية تركز على الاستدامة، مستلهمة من رؤية الملك محمد السادس.
وأكثر طموحا، يعمل المغرب وفرنسا على مشروع ربط كهربائي مباشر بين الناظور ومرسيليا، مع “طريق طاقي” بين الداخلة والدار البيضاء بقدرة 3 جيغاواط. هذه المبادرات، المدعومة باتفاقيات مع شركاء مثل الوكالة الفرنسية للتنمية، تجعل المغرب مركزا طاقيا لا غنى عنه، قادرا على تزويد أوروبا بالهيدروجين الأخضر والكهرباء المتجددة.
على النقيض، تتأخر الجزائر، رغم إمكاناتها النفطية والغازية، في تنويع اقتصادها. مشاريع البنية التحتية الطاقية هناك خجولة، متعثرة بسبب البيروقراطية الثقيلة وقلة جاذبية المستثمرين الأجانب. بينما يجذب المغرب أنظار سيول وباريس ومدريد وغيرها ولندن وغيرها، تكافح الجزائر للحفاظ على اقتصادها الريعي، معوقة بضعف التصنيع.
جاذبية اقتصادية تفتن العالم
لا تمر ديناميكية المغرب دون أن تلفت الأنظار. كوريا الجنوبية، مع “هيونداي روتيم” في المقدمة، تكثف جسورها الدبلوماسية والتجارية، بينما تعزز فرنسا تعاونها الاستراتيجي. هذه الشراكات، المدعومة بتمويلات ميسرة وجولات ترويجية عالمية، تعكس ثقة متزايدة في إمكانات المملكة. في المقابل، تغرق الجزائر في توترات إقليمية واقتصاد غير متنوع، مما يدفع المستثمرين الأجانب للابتعاد، ويحد من آفاق نموها.
في الختام، يرسم المغرب طريقه بجرأة، موائماً بين الحداثة اللوجستية، والابتكار الصناعي، والانتقال الطاقي. في وقت يتسلح فيه المملكة لعالم الغد، تبدو الجزائر المجاورة متجمدة في ماضٍ اقتصادي ينفد أنفاسه، في تناقض صارخ بين جارين على مسارين متباعدين.