تمغربيت : فتيحة شاطر
استقبال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، يوم 27 أغسطس 2025، للقيادي في مليشيات البوليساريو محمد يسلم بيسط، يمثل خطوة تحمل دلالات استراتيجية عميقة تتجاوز مجرد “حوار دبلوماسي حول تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء”. التحليل الجيوسياسي للموقف يشير إلى أن هذه اللقاءات تأتي في سياق حساس للغاية، بعد انتهاء المهلة التي حددها مشروع قانون أمريكي لتصنيف المليشيا الانفصالية كمنظمة إرهابية، وهي مهلة تضمنت شرط المشاركة الجادة في مفاوضات الحكم الذاتي المغربي لتجنب العقوبات المحتملة.
الضغط الأمريكي والرهانات الدولية
مشروع القانون الفدرالي الأمريكي H.R. 4119، الذي قدمه النائب الجمهوري جو ويلسون بدعم الديمقراطي جيمي بانيتا، يعكس تقييم الكونغرس الأمريكي لخطورة صلات البوليساريو بتنظيمات إرهابية دولية، بما في ذلك حزب الله اللبناني وفيلق الحرس الثوري الإيراني. هذه الخطوة الأمريكية ليست مجرد تحرك تشريعي داخلي، بل مؤشر على ضغط دولي متزايد لدفع المليشيا الانفصالية نحو تسوية سياسية حقيقية، وتأكيد جدية مقترح المغرب للحكم الذاتي الذي يحظى بدعم واسع من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.
من منظور استراتيجي، فإن الضغط الأمريكي يضع الجزائر أمام معضلة واضحة: إما دعم مسار سياسي يعترف بمبادرة الحكم الذاتي المغربية، أو الاستمرار في دعم البوليساريو، وهو خيار ينطوي على مخاطر دولية وعزلة متنامية.
الأجندة الجزائرية والتحركات الدبلوماسية
تحليل الخطاب الجزائري يشير إلى محاولة المحافظة على نفوذ تقليدي في الملف الصحراوي، وهو نفوذ فقد تدريجياً مع تصاعد الاعتراف الدولي بالمبادرة المغربية. لقاءات مثل استقبال عطاف للبوليساريو تعكس مناورة دبلوماسية لإظهار استمرار الجزائر كطرف فاعل، لكنها في جوهرها محاولة لتخفيف الضغط المتزايد على المليشيا الانفصالية ومنحها زخماً سياسياً داخلياً.
من الناحية الاستراتيجية، الجزائر تواجه تناقضاً حاداً: فهي تريد الحفاظ على نفوذها على الأرض من خلال دعم البوليساريو، وفي الوقت نفسه لا تمتلك أوراق قوة دولية قادرة على مواجهة الزخم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية. هذا التناقض يجعل التحركات الجزائرية محدودة المدى، أكثر رمزية منها عملية، وهي في جوهرها محاولة لإطالة أمد الصراع السياسي دون نتائج ملموسة.
المغرب والحكم الذاتي: استدامة ودينامية دولية
على الجانب المغربي، يوضح التطور الأخير أن مقترح الحكم الذاتي بات يشكل المرجع الأساسي لأي نقاش دولي حول حل النزاع المفتعل المبادرة المغربية تقدم حلاً عملياً يضمن حقوق السكان المحليين في إطار السيادة الوطنية، وهو ما يعزز موقع المغرب دبلوماسياً ويضع البوليساريو في مواجهة ضغوط متزايدة.
الاستدامة السياسية للمقترح المغربي تأتي من توافقه مع المعايير الدولية، وبروز الدعم الأمريكي والأوروبي له، ما يجعل أي محاولات جزائرية لدعم الجبهة الانفصالية أقل تأثيراً على الساحة الدولية. كما يعكس هذا الواقع تراجع قدرة الجزائر على فرض أجندتها التقليدية في الملف، وتحول دورها من طرف مؤثر إلى طرف يواجه قيوداً استراتيجية شديدة.
تحول موازين القوة
المشهد الحالي يظهر تحولاً واضحاً في موازين القوة على صعيد الصحراء الغربية:
1.المغرب يمتلك مشروعاً سياسياً قابلاً للتطبيق ويعزز الاعتراف الدولي به تدريجياً.
2.الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يضعون إطاراً دبلوماسياً واضحاً يدعم الحل السلمي ويضغط على المليشيا الانفصالية للانخراط في العملية.
3.الجزائر والبوليساريو يواجهون ضغوطاً متزايدة ويعتمدون على تحركات رمزية أكثر منها استراتيجية، في ظل عزلة متنامية للمليشيا الانفصالية.
في هذا السياق، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيزاً لدور المغرب دبلوماسياً واستراتيجية، في حين ستبقى الجزائر محكومة بمناورات تكتيكية تحاول الحفاظ على نفوذها التقليدي دون قدرة على تغيير دينامية الواقع الدولي لصالح الجبهة الانفصالية