تمغربيت :وفاء حلاق
تازة ياتازة، المدينة الواقعة بين جبال الأطلس المتوسط وسلسلة الريف، هي نقطة جغرافية جد مهمة في تاريخ المملكة المغربية الشريفة، و فضاء تاريخي وحضاري ترك بصمته في مسار المغرب. وقد وصفها المؤرخ عبد الهادي التازي بـ”الماسة” وبـ”بوابة المغرب”، إشارة إلى موقعها الاستراتيجي الفريد الذي جعلها معبرا إلزاميا بين شرق البلاد وغربها، وبين شمالها وجنوبها.
يعود تاريخ تازة إلى عصور ما قبل الإسلام، حيث تكشف الآثار عن وجود الإنسان منذ العصر الحجري. ومع تعاقب الدول المغربية، لعبت المدينة أدوارا سياسية وعسكرية بارزة، حتى غدت عاصمة مؤقتة لبعض السلالات مثل المرينيين والموحدين. وكان من المستحيل السيطرة على المغرب دون المرور عبر مضيق تازة، الذي شكل عبر القرون مفتاحا استراتيجيا لوحدة البلاد وأمنها.
خلال العصر المريني، بلغت تازة أوجها الثقافي والعلمي. فقد تحولت إلى مركز إشعاع فكري، بفضل مدارسها العلمية الكبرى مثل المدرسة اليوسفية، الحسنية والعنانية، التي جذبت العلماء والطلبة من مختلف الأقاليم. كما ازدهرت فنون العمارة والفكر والدين، فصار اسم تازة مرتبطا بالعلم بقدر ما ارتبط بالقوة والتحصين. ويشهد على هذا التراث الجامع الكبير الذي يعود إلى القرن الثاني عشر، والذي يحتضن ثاني أكبر ثريا في إفريقيا، إضافة إلى معالم معمارية ودينية لا تزال شاهدة على ماضيها العريق.
لكن تازة ليست فقط تاريخا من التحصينات والمدارس، بل أيضا لوحة طبيعية ساحرة. فموقعها الجبلي المميز وهضابها المكسوة بالخضرة جعل منها مدينة تجمع بين التاريخ والطبيعة، ومتحفا مفتوحا يجمع بين العمق الحضاري والجمال الطبيعي. مغاراتها، مثل فريواطو، تكشف عن أسرار جيولوجية وإنسانية ضاربة في القدم، لتضيف بعدا آخر إلى غناها التراثي.
رغم كل هذه المكانة، تعيش مدينة تازة العريقة اليوم حالة من التراجع والإهمال. فالكثير من معالمها التاريخية تحتاج إلى ترميم، والبنية التحتية السياحية ما زالت محدودة، ناهيك عن تحديات بيئية مثل شح المياه. ولعل الجملة المتداولة بين أبنائها “من قرية فاس إلى مدينة تازة” تلخص واقعا مؤلما، إذ تعكس حنينا إلى ماضيها المزدهر مقابل حاضر يراه البعض أقل مما تستحقه هذه المدينة العريقة.
ومع ذلك، تبقى تازة بالنسبة لأبنائها ولكل المهتمين بتاريخ المغرب “ماسة” تحتاج فقط إلى أن ينفض عنها الغبار. فهي مدينة نابضة تختزن فصولا من التاريخ، ورمزا للعبور والوصل، ومجالا لا يزال قادرا على استعادة بريقه إذا ما توافرت العناية والاهتمام.