تمغربيت:
بقلم الأستاذ: الصديق معنينو
عاب عليَّ أحد الأصدقاء اهتمامي المفرط بتاريخ المغرب.. وتخصيص حيّز كبير من إنتاجي -كتابة وحكياً- للوقائع التاريخية عبر القرون وإبراز الغنى التاريخي والثقافي لبلادنا. ورأى آخرون في هذا الاختيار ابتعاداً مقصودا عن معالجة القضايا المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين وانشغالاتهم بصعوبات تزداد تعقيدا.
أود الاعتراف بأن هذه الملاحظات وجيهة تعكس اهتماما أكيداً لما أكتبه وأحكيه.. مع الرغبة في التركيز على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي يعاني منها المواطن.
تاريخ فريد
إن اهتمامي بالجانب التاريخي يعكس رغبتي في تسليط الأضواء على مسيرة تاريخية فريدة وغنية، ميّزت «ذاكرة » المملكة الشريفة.. إنه تراث لا مادي يزيد عن ألف سنة صنعته العبقرية المغربية. وخلال هذه الرحلة الطويلة واجهت بلادنا الكثير من التحديات والعقبات أبانت خلالها على قدرة عالية على الصمود أمام الأعاصير.. على أن تاريخ المغرب تميز ببصمات لشخصيات قوية وحدّت صفوفه ورفعت راياته ونشرت ألوية السلام.
هكذا وُلدت «الدولة-الأمة » المغربية منذ أكثر من اثنتي عشر قرنا.. وعلى بركة الله استمرت وتقوّت.. لذلك من واجب الإنسان المغربي أن يتذكر وأن يفتخر لهذا الميلاد المبكِّر والسعيد.. لهذه الاستمرارية، ولهذه الهوية المتأصلة.. علينا أن نستحضر باستمرار نضال أجدادنا للحفاظ على هذا الصرح وما تطلب من تضحيات ومواجهات لاعتداءات متكررة وعلى مختلف الجبهات.
إرث مشترك
لكل هذا أعتبر أن تاريخ المملكة هو إرث مشترك بيننا جميعا.. وعلينا أن نتقاسم عبء الحفاظ عليه واستحضار مختلف مراحله واستنباط العِبر من وقائعه الإيجابية والسلبية.. إن لهذا الإرث ميزة خاصة يمكن اعتبارها مصدر افتخار مقارنة مع دول وشعوبٍ أخرى، تبحث باستمرار عن مرجعية تاريخية تفتقر إليها.
مفاتيح التاريخ
في إطار هذا البحث المضني يحاول البعض الاستيلاء على تراث الغير.. أي على حصيلة قرون من العمل والتفاعل والاجتهاد.. لذلك يمكن القول بأنه مهما قلّدوا فإنهم يفتقدون لمفاتيح التاريخ التي يملكها الإنسان المغربي.. لذا وبدون حياء نجدهم يستبيحون الغش والتقليد في محاولة «لسرقة » موصوفة وعلى رؤوس الأشهاد.
الثوابت الوطنية
كل هذه المعطيات جعلتني أعطي اهتماما لتاريخنا المشترك لتقوية مناعته والتذكير بملاحمه. إن الحفاظ على شعلة الذاكرة واجب وطني وضرورة ثقافية ورافد من روافد الثوابت الوطنية.. ودليل على تجذر الهوية المغربية.
فما معنى أن نعتزَ بعمقنا التاريخي دون أن نستحضر ما عرفه من أحداث.. دون أن نستخلص الدروس من نضالات رجاله الأعلام.. دون أن نقف على مواطن القوة والضعف.. أيام الرخاء وأيام المحن.. ودون أن نحافظ على تقاليد وعادات هي حصيلة اجتهاد وتوافق الأجيال.
من هذا المنطلق، أعتبر أن الإحاطة بالتاريخ جزء، بل سلاح للدفاع عن وحدتنا الترابية.. وخصوصية هويتنا وآمالنا في مستقبل أكثر حُرية ورخاء. فعفوا أصدقائي، سأواصل اهتمامي بتاريخ بلادنا لأنه كنز غني ونادر.. وبالمناسبة أدعوكم إلى تقاسم مستمر لمجرياته وأسرار نجاحه وتسليم المشعل للقادمِ من الأجيال.