تمغربيت : وفاء حلاق
تعتبر المملكة المغربية من أبرز النماذج الناجحة في المنطقة، حيث استطاعت أن تحول تنوعها الثقافي والديني والسياسي إلى مصدر قوة واستقرار، في وقت تحولت فيه التعددية في دول أخرى إلى عامل صراع وانقسام. فقد وفق المغاربة، بقيادة ملكهم الشهم الحكيم، في الجمع بين الأصالة والحداثة، وفي بناء هوية وطنية جامعة تنهل من روافد متعددة، بدءا من العربية الإسلامية والأمازيغية الأصيلة، مرورا بالحسانية الصحراوية، ووصولا إلى التأثيرات الأندلسية والعبرية والإفريقية والأوروبية. هذا الغنى الحضاري تمت دسترته وتفعيله في السياسات التعليمية والإعلامية والثقافية، بما يعكس إرادة الدولة في احترام جميع المكونات وصونها ضمن وحدة وطنية راسخة.
ولأن التدين في المغرب يتسم بالاعتدال والانفتاح، فقد شكل الإسلام الوسطي الذي يستند إلى المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني أرضية صلبة للتعايش الديني. ولم يكن غريبا أن يعيش اليهود المغاربة والمسيحيون الوافدون في فضاء من الحرية والأمن، حيث يجد كل طرف مكانه داخل مجتمع متماسك تحكمه قيم الاحترام المتبادل. هذا التنوع الديني لم ينظر إليه يوما كخطر على الانسجام الوطني، بل كثراء إنساني يعزز مكانة المغرب كأرض للتسامح.
وعلى المستوى السياسي، تميزت المملكة بمسار إصلاحي متدرج يراعي خصوصياتها ويستند إلى مؤسسات دستورية قوية. فالملكية البرلمانية المغربية أرست توازنا بين السلطات، والانتخابات الدورية بمشاركة واسعة من الأحزاب السياسية أفرزت مشهدا سياسيا حيويا يبين مختلف التوجهات الفكرية. كما لعب المجتمع المدني دورا محوريا في مراقبة السياسات العمومية والمساهمة في الدفاع عن الحقوق، مما أسس لثقافة المشاركة المواطنة وأضفى مزيدا من الشرعية على المسار الديمقراطي.
إن الاعتراف بالتعددية في المغرب لم يكن يوما مجرد خطاب للاستهلاك، بل ركيزة أساسية للاستقرار والتنمية. فقد ساعد هذا الخيار في خلق بيئة جاذبة للاستثمارات وتعزيز فرص النمو، إلى جانب إطلاق إصلاحات كبرى في مجالات التعليم والصحة وحقوق الإنسان والتحول الرقمي. وفي السياق الدولي، عززت هذه التجربة صورة المملكة كدولة معتدلة ومنفتحة قادرة على لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية وبناء علاقات متوازنة مع مختلف القوى العالمية.
ويكتسب النموذج المغربي أهمية خاصة حين يقارن بما جرى في دول أخرى مثل سوريا، التي أخفقت في إدارة تنوعها فدفعت ثمنا باهظا من الانقسام والصراعات الطائفية. إن ما يقدمه المغرب اليوم هو درس في كيفية صياغة دستور جامع، و إرساء مؤسسات قادرة على احتواء الاختلاف وتعزيز الانتماء الوطني. فهو يبرهن أن الانفتاح على التنوع الثقافي والديني والسياسي لا يضعف الدولة، لكنه يمنحها صلابة وقدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. كما يوضح أن التوازن بين الأصالة والحداثة هو ممارسة يومية تنعكس في السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتؤكد على أولوية التنمية المستدامة والشاملة لجميع المواطنين.
إن الاستقرار الذي يتمتع به المغرب والذي نحسد عليه من عدد الحاقدين، هو نتيجة تراكم جهود طويلة، شملت الإصلاحات القانونية والسياسية والتعليمية، بالإضافة إلى دور المجتمع المدني النشط الذي ساهم في ترسيخ ثقافة المشاركة والحوار، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز القيم المشتركة بين مختلف مكونات المجتمع. وهذا النموذج يجعل المغرب قادرا على الصمود أمام أي محاولات للتفرقة أو الانقسام، ويؤكد أن التعددية هو مصدر قوة وإثراء للمجتمع والدولة.
يعتبر المغرب مثالا حيا على قدرة الدولة والمجتمع على التكيف مع المتغيرات، وعلى الجمع بين الحداثة والهوية، والتنوع والوحدة، في إطار رؤية وطنية واضحة تضمن الاستقرار والتنمية وتعزز مكانة المملكة على المستوى الإقليمي والدولي.