تمغربيت : الحسن شلال
دقت أجراس الكنائس بكامل قوتها، وغزت الشوارع حشود مبتهجة، ورفرفت الأعلام ثلاثية الألوان أخيرا بحرية على العاصمة الفرنسية. باريس، باريس غاضبة! باريس مكسورة! باريس استشهدت! لكن باريس تحررت! هكذا أطلق الجنرال ديغول في خطابه من أجل تحرير باريس في 25 غشت 1944.
لم يكن تحرير باريس حدثًا معزولًا، بل كان نتيجة انتفاضة شعبية وتنسيق عسكري دقيق. في 19 غشت، شنّ مقاتلو المقاومة الفرنسية، أعضاء قوات الداخلية الفرنسية، إضرابا عاما وشنوا هجمات على الحاميات الألمانية. نُصبت المتاريس في الشوارع، واندلعت معارك ضارية، فثار سكان باريس ضد المحتل، رغم خطر الانتقام الواسع النطاق. كان الجنرال ديتريش فون شولتيتز، القائد الألماني لباريس، قد تلقى أوامر من أدولف هتلر بتدمير المدينة بدلًا من تسليمها، لكنه اختار في النهاية الاستسلام لتجنب إراقة دماء لا داعي لها.
في 18 غشت 1944، دخلت باريس في تمرد ضد المحتل الألماني بينما كانت قوات الحلفاء تتقدم نحو العاصمة.
الغستابو الألماني ينفخ في جمر التمرد. الوضع متوتر. يؤدي توقف المصانع وتخريب السكك الحديدية إلى شل الحياة الاقتصادية. الفحم مفقود، ويتم إفراغ الرفوف… باريس على وشك الاختناق وسكانها عازمون على طرد المحتل.
في 18 أغسطس 1944، دخلت باريس في تمرد ضد المحتل الألماني بينما تقدمت قوات الحلفاء نحو العاصمة. وفي 22 غشت، استسلم الجنرال أيزنهاور، القائد الأعلى لقوات الحلفاء، لإصرار الجنرال ديغول والجنرال لوكلير وأصدر الأمر للفرقة المدرعة الثانية التابعة للوكلير وفرقة المشاة الأمريكية الرابعة بالهجوم نحو باريس.
في صباح الخامس والعشرين من غشت، دخلت قوات الحلفاء باريس بدخول حاسم. تقدمت الفرقة المدرعة الفرنسية الثانية، بقيادة الجنرال فيليب لوكلير دو هوتكلوك، جنبا إلى جنب مع فرقة المشاة الأمريكية الرابعة. دخلت أولى الدبابات الفرنسية باريس عبر بوابة أورليان، وسط هتافات الباريسيين المبتهجين. هتفت الحشود: “عاشت فرنسا! عاش ديغول!”، بينما انهمرت الزهور والقبلات على المحررين. عند الظهر، وصل الجنود إلى قصر المدينة، حيث أعلن المجلس الوطني للمقاومة التحرير الرسمي.
في الخامسة مساءً، وصل الجنرال ديغول إلى باريس، زعيم فرنسا الحرة. سار ديغول في شارع الشانزليزيه، محاطًا بحشد غفير، رمزا لنهضة الأمة. فأعلن في خطاب تاريخي في قصر المدينة: “باريس غاضبة! باريس محطمة! باريس شهيدة! لكن باريس تحررت!”. لاحقً، توجه إلى كاتدرائية نوتردام لإحياء ذكرى النصر، رغم نيران القناصة المتقطعة التي زادت المشهد توترا.