تمغربيت : رحاب الغرباوي
يشهد العالم تحولات متسارعة في مجال الطاقة، حيث تتجه العديد من الدول إلى البحث عن بدائل مستدامة تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحد من تداعيات التغير المناخي. وفي هذا السياق، برز المغرب كأحد البلدان الإفريقية التي تنظر بجدية إلى خيار الطاقة النووية المدنية، باعتباره رافعة استراتيجية لتعزيز أمنه الطاقي ودعم مكانته الريادية في الانتقال نحو اقتصاد أخضر.
أورد تقرير حديث للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن المملكة توجد في المرحلة التمهيدية لدراسة جدوى إدماج الطاقة النووية ضمن مزيجها الطاقي هذه الخطوة، وإن كانت أولية، تبرز وضوح الرؤية المغربية في استشراف المستقبل، وتؤكد أن الرباط لا تتعامل مع الملف من منطلق ظرفي، بل وفق مقاربة علمية دقيقة تضع السلامة، الجدوى الاقتصادية، ومتطلبات التنمية في مقدمة الأولويات.
ويأتي ذلك استكمالا للجهود التي بذلتها المملكة منذ سنوات في مجالات الطاقة المتجددة، حيث أصبحت محطات الطاقة الشمسية والريحية في ورزازات وميدلت وطنجة وغيرها من المراكز، مرجعًا عالميًا يحتذى به. غير أن خيار الطاقة النووية يعكس إصرار المغرب على تنويع مصادره، وتحصين أمنه الطاقي ضد تقلبات السوق الدولية للغاز والنفط.
يمثل هذا التوجه فرصة حقيقية للمملكة من أجل ضمان استقرار التزويد بالكهرباء في ظل تزايد الطلب الوطني الناتج عن النمو الديمغرافي والتوسع الصناعي، كما يتيح للمغرب تقليص تبعيته الطاقية للخارج وتعزيز سيادته في هذا المجال الاستراتيجي. إضافة إلى ذلك، فإن الاستثمار في الطاقة النووية يفتح الباب أمام نقل التكنولوجيا، وتكوين كفاءات علمية وطنية في مجالات دقيقة، مما سينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني ويوفر فرص عمل جديدة.
وفي المشهد الإفريقي، يبرز المغرب كفاعل متزن يتقدم بخطوات محسوبة، بينما أعلنت أكثر من عشرين دولة نيتها تطوير برامج نووية دون أن تصل بعد إلى التنفيذ العملي. مصر تتصدر القارة بمشروع “الضبعة” العملاق، فيما تواصل جنوب إفريقيا تشغيل محطتها في “كويبرغ”، أما نيجيريا وغانا وكينيا فتستعد لمرحلة البناء. المغرب، من جهته، يتميز بقدرة واضحة على الموازنة بين الطموح والواقعية، مستفيدا من استقراره السياسي ومكانته الإقليمية، مما يجعله مؤهلا لقيادة التحول النووي السلمي في إفريقيا.
هذا الخيار يعزز صورة المملكة كبلد سباق في تبني حلول مبتكرة لمستقبل الطاقة، ويعكس إرادة سياسية قوية في بناء نموذج تنموي جديد يزاوج بين الاستدامة والسيادة والريادة الإقليمية