تمغربيت : فتيحة شاطر
في مشهد يعكس الحس الإنساني والالتزام الثابت بحماية حقوق الطفل، عبّأ المرصد الوطني لحقوق الطفل، بتعليمات من صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم، الآلية الوطنية للتكفل النفسي بالصدمات النفسية للطفل، وذلك للتدخل العاجل لفائدة الطفل الذي تعرض لجريمة اغتصاب بمدينة الجديدة.
هذا التحرك السريع جسّد وعياً عميقاً بكون الاغتصاب ليس مجرد انتهاك جسدي فحسب، بل صدمة نفسية قد تترك ندوباً غائرة على مستقبل الطفل وحياته النفسية. وقد وضع المرصد طبيبة نفسية متخصصة رهن إشارة الطفل لتأمين مسار علاج نفسي فوري وملائم، يقيه من تبعات العنف التي قد تتحول إلى أعباء طويلة الأمد على صحته النفسية والاجتماعية.
المبادرة لم تقتصر على الجانب العلاجي الفردي، بل رافقها تنسيق مباشر مع وكيل الملك والمحامية المكلفة بالملف، بما يعكس مقاربة شمولية تجمع بين البعد القانوني والحماية النفسية. وهذا التلازم بين القضاء والدعم النفسي يعزز صورة دولة القانون، حيث يُنظر إلى الضحية كإنسان كامل الحقوق، يحتاج إلى جبر ضرر مضاعف، مادي ومعنوي.
ويشير المرصد في بلاغه إلى أن العنف ضد الأطفال يشكل “عبئاً ثقيلاً” على صحتهم النفسية طوال حياتهم. الدراسات العالمية تؤكد هذه الحقيقة، إذ تربط بوضوح بين الصدمات الطفولية وبين القلق والاكتئاب ومحاولات الانتحار، فضلاً عن اضطرابات ما بعد الصدمة والسلوكيات العدوانية أو تعاطي المخدرات في مرحلة البلوغ. من هنا، يصبح التدخل المبكر ليس ترفاً أو مبادرة طارئة، بل سياسة وقائية قادرة على تغيير مسار حياة كاملة.
اللافت أن هذه الاستجابة تأتي في سياق تأسيس “الآلية الوطنية للتكفل النفسي بالصدمات النفسية للطفل”، التي أطلقتها صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم في أكتوبر 2023، موزعة على ست مدن كبرى: الدار البيضاء، الرباط، مراكش، أكادير، وجدة، وفاس. هذه البنية المؤسسية تعكس رؤية استراتيجية تجعل من الرعاية النفسية جزءاً أساسياً من منظومة حماية الطفل، على غرار الرعاية الصحية والتعليمية.
إن ما وقع في الجديدة مأساة فردية بلا شك، لكنه في الآن ذاته اختبار لمدى جاهزية المجتمع ومؤسساته في التعامل مع مثل هذه الصدمات. وقد برهنت الاستجابة الملكية، عبر المرصد الوطني لحقوق الطفل، أن حماية الطفولة ليست مجرد شعارات، بل منظومة تدخل فوري، وقائي وعلاجي، تعيد للطفل بعضاً من الأمان المفقود.
وفي ظل تنامي مظاهر العنف ضد القاصرين عالمياً، فإن التجربة المغربية في إحداث آليات نفسية متخصصة للأطفال دون 18 سنة، سواء كانوا ضحايا أحداث فردية أو كوارث طبيعية وبشرية، تمثل سابقة يمكن أن تتحول إلى نموذج إقليمي، يجعل من “الرعاية النفسية” أولوية وطنية، وليست مجرد استجابة ظرفية