تمغربيت:فتيحة شاطر
يعتبر فن كناوة أحد أبرز المظاهر الثقافية المغربية، وهو موسيقى روحانية شعبية نشأت في جنوب المغرب، تحديداً بمدينة مراكش والصويرة، لتصبح لاحقاً رمزاً للموروث الموسيقي الوطني، ومورداً ثقافياً واجتماعياً هاماً. وفي سنة 2020، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو” فن كناوة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، اعترافاً بقيمته الفنية والروحية، ودوره في تعزيز الهوية الثقافية للمغرب.
أصول فن كناوة وروحه الروحية
يرتبط فن كناوة بجذور إفريقية عميقة، حيث يعود إلى العبيد السود الذين جلبوا إلى المغرب من غرب إفريقيا، وجاءت موسيقاهم محملة بالروحانيات والتقنيات الموسيقية التي تم توارثها عبر الأجيال. وتميزت هذه الموسيقى باستخدام آلات موسيقية تقليدية مثل الرباب، القرقاب، والدفوف، إضافة إلى استخدام أنماط إيقاعية معقدة، تُغنى بالطقوس الروحية التي تهدف إلى الشفاء والطرد الروحي.
هذه الأبعاد الروحية جعلت كناوة أكثر من مجرد موسيقى، بل ممارسة ثقافية متكاملة تمزج بين الطقوس الدينية والفن والمجتمع، لتصبح وسيلة تعبير عن الانتماء والهوية الروحية للشعوب المغربية الإفريقية الأصل.
انتشار كناوة وتفاعلها مع الموسيقى العالمية
تميز فن كناوة بالقدرة على الانصهار مع موسيقى أجنبية، مثل البلوز، الجاز، والريكي، مما جعله يحظى بشهرة دولية ويؤهله للتفاعل مع المشهد الموسيقي العالمي. ساعدت هذه الانفتاحية على تعزيز حضور الموسيقى المغربية في المهرجانات الدولية، وساهمت في بناء جسور ثقافية بين المغرب والعالم.
كما لعب مهرجان الصويرة الدولي لموسيقى كناوة وموسيقى العالم دوراً محورياً في تعزيز هذا الفن الشعبي، إذ يوفر منصة للفنانين المحليين لعرض إبداعاتهم، وللمواهب الشابة للتعلم والمشاركة في تجارب ثقافية متعددة. ويساهم المهرجان في إبراز التراث الثقافي المغربي أمام جمهور دولي، مما يعزز السياحة الثقافية في المنطقة ويخلق دينامية اقتصادية وثقافية مستدامة.
كناوة والهوية الثقافية الوطنية
يشكل فن كناوة مكوناً أساسياً من الهوية الثقافية المغربية، فهو يربط بين الماضي والحاضر، ويعكس التعددية الثقافية للمغرب، حيث تجمع هذه الموسيقى بين الطابع الإفريقي العربي والموروث الأمازيغي، ما يجعلها نموذجاً فريداً للتعايش الثقافي.
ويعكس اعتراف اليونيسكو بفن كناوة مكانة المغرب كـحاضنة للتراث الإنساني غير المادي، ويعزز مكانة البلاد ضمن المشهد الثقافي العالمي، ويبرز قدرة المغرب على الحفاظ على تراثه الفني الأصيل، مع فتح المجال للابتكار والتجديد الفني.
أبعاد اقتصادية وسياحية لفن كناوة
فضلاً عن قيمته الثقافية، يشكل فن كناوة رافعة اقتصادية وسياحية، إذ يستقطب مهرجان الصويرة آلاف السياح سنوياً، ويحفز على تطوير الصناعات التقليدية مثل الحرف اليدوية، وصناعة الأدوات الموسيقية، والضيافة المحلية. كما يساهم في تمكين الشباب من الانخراط في الإنتاج الفني والثقافي، وتعزيز مشاريع إبداعية تساهم في تطوير القطاع الفني المغربي.
التحديات المستقبلية
رغم الاعتراف الدولي، يواجه فن كناوة تحديات عديدة، منها:
•الحفاظ على أصالته في ظل الانفتاح على الموسيقى العالمية.
•حماية الفنانين التقليديين من استغلال اقتصادي أو تحريف للتراث.
•تعزيز تعليم الأجيال الجديدة لمهارات الأداء الموسيقي التقليدي.
ولتجاوز هذه التحديات، تحتاج الجهات الثقافية المغربية إلى وضع برامج حماية وتطوير مستدامة، تشمل التدريب، الترويج، ودعم الفنانين، لضمان استمرار هذا التراث في المستقبل.
فن كناوة ليس مجرد موسيقى، بل هو تراث إنساني غير مادي يمزج بين الفن والروحانيات والهوية. ومن خلال الاعتراف الدولي والفعاليات الثقافية، أصبح كناوة نموذجاً حياً للتعددية الثقافية والانفتاح الفني، ورافعة للتنمية الثقافية والسياحية بالمغرب. إن الحفاظ على هذا التراث وتعزيزه يتطلب تضافر الجهود بين الدولة، المجتمع، والفنانين، ليظل هذا الفن العظيم جسرًا بين الماضي والحاضر، والمحرك الأساسي للهوية الثقافية المغربية في العالم