تمغربيت: فتيحة شاطر
أثار ظهور خريطة المغرب كاملة، متضمنة أقاليمه الجنوبية، خلال اجتماع جمع وفدًا عسكريًا مغربيًا مع الجيش الموريتاني في نواكشوط، جدلاً إعلاميًا واسعًا، لا سيما في وسائل محسوبة على ميليشيات البوليساريو. الخطوة، التي وصفها البعض بأنها إشارة سياسية ذات بعد رمزي واستراتيجي، تمثل نافذة لفهم ديناميات العلاقات المغربية-الموريتانية، وتعيد طرح السؤال حول موقع الصحراء المغربية في التوازنات الإقليمية والدبلوماسية.
السياق العسكري والدبلوماسي للزيارة
قاد الوفد المغربي العميد البحري خليل بشري، نائب المفتش العام المكلف بقطاع الصحافة، والتقى مع العقيد سيدي محمد حديد، مدير العلاقات العامة بقيادة الأركان العامة للجيوش الموريتانية. الاجتماع ركز على تعزيز التعاون في مجالات الاتصال العسكري، العلاقات العامة، وتبادل الخبرات، وهي مجالات أساسية لتعزيز التنسيق بين الجيوش وضمان تكامل الأداء العسكري في سياق الأزمات الإقليمية.
الهدايا التذكارية التي تبادلها الجانبان، وخصوصًا خريطة المغرب كاملة، لم تكن مجرد رمز دبلوماسي تقليدي، بل حملت رسالة سياسية واضحة: التأكيد على السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، وإشارة إلى تقارب موريتانيا مع الموقف المغربي، بما يعكس توجّهًا استراتيجيًا في منطقة تعج بالحساسيات الإقليمية والدبلوماسية.
الأبعاد الجيوسياسية والإقليمية
ظهور الخريطة في سياق رسمي عسكري يعكس بعدًا استراتيجيًا أكثر من كونه رمزيًا. المغرب يسعى إلى تعزيز حضوره في منطقة الساحل والصحراء، وبناء تحالفات متعددة المستويات، تشمل الجوار المباشر (موريتانيا، الجزائر)، وكذلك القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المنطقة.
من الناحية الجيوسياسية، يمثل التقارب المغربي-الموريتاني عامل استقرار محتمل، حيث يمكن للدولتين التعاون في مجالات الأمن الإقليمي، مكافحة الإرهاب، ومراقبة الحدود، بما يحمي مصالحهما المشتركة ويحد من النفوذ المزعزع للبوليساريو. كما أن الخطوة تعكس استراتيجية المغرب القائمة على الضغط الرمزي والدبلوماسي المتوازن، لتعزيز موقفه في قضية الصحراء المغربية ، دون تصعيد عسكري مباشر مع الجيران.
البعد الإعلامي والسياسي
المنابر الإعلامية التابعة للبوليساريو حاولت استغلال الحدث لتأجيج الرأي العام الإقليمي، ووصفت ظهور الخريطة بأنه دليل على ميل موريتانيا نحو الرباط، محذرة من أي اعتراف ضمني بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. هذه الانتقادات تكشف عن حساسية النزاع الإعلامي والسياسي المرتبط بالصحراء المغربية، ومحاولات الأطراف المعارضة للتأثير على مواقف الدول المجاورة، وإحداث شرخ في العلاقات الثنائية.
في المقابل، قراءة الحدث من منظور مغربي وموريتاني تظهر أنه جزء من تقارب استراتيجي طويل الأمد، يتضمن تبادل الخبرات العسكرية، تطوير آليات التواصل، وضمان التنسيق في الحالات الطارئة، وهو ما يعكس نضج العلاقات الثنائية وقدرتها على تجاوز الضغوط الإعلامية والسياسية الخارجية.
الرسائل الاستراتيجية
يمكن تحليل ظهور الخريطة على عدة مستويات:
1.رسالة للداخل المغربي والموريتاني: تعزيز ثقة الرأي العام في قدرة الدولة على الحفاظ على وحدة أراضيها، وإظهار مستوى التنسيق بين القوات المسلحة في الدولتين.
2.رسالة إقليمية: التأكيد على موقف المغرب في النزاع حول الصحراء، وتحذير الأطراف الخارجية من محاولات التشويش أو دعم الانفصاليين.
3.رسالة دولية: إظهار أن الرباط تمتلك أدوات رمزية ودبلوماسية لتحقيق حضورها المؤثر في المنطقة، بما يرسخ مكانتها كفاعل أساسي في الأمن والاستقرار الإقليمي.
اللقاء العسكري المغربي-الموريتاني وخريطة المغرب الكاملة يمثلان أكثر من حدث رمزي؛ إنه تحرك استراتيجي دبلوماسي وعسكري يبرز قدرة الرباط على تحويل المبادرات الرمزية إلى أداة تأثير على المستويين الإقليمي والدولي. بينما تستمر وسائل الإعلام المرتبطة بالبوليساريو في محاولات التشويش، يظهر الحدث أن المغرب وموريتانيا يمتلكان رؤية واضحة لتعزيز التعاون، وإرساء قواعد الاستقرار الإقليمي، بما يعكس مستوى من النضج السياسي والعسكري قادر على مواجهة الضغوط الإعلامية والدبلوماسية في المنطقة