تمغربيت:
بقلم الأستاذ محمد زاوي
المسيرة الخضراء فكرة الملك الحسن الثاني
تحل اليوم 6 نونبر 2023.. الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، ملحمة المغاربة ملكا وشعبا في النصف الثاني من القرن 20 م، استكمالا للوحدة الترابية وربطا لشمال المغرب بجنوبه بعد المؤامرة.. التي حرمته امتداده جنوبا وشرقا.. وضيعت عليه “حديد شنقيط وبترول تندوف”. مرّ حوالي نصف قرن على ملحمة المسيرة الخضراء، وهي مدة عرفت فيها قضية الصحراء المغربية تحولات عدة.. كما استهدفتها مؤامرات شتى لتستقر على ما هي عليه اليوم:
-وضوح خطاب العرش: وضوح برسالتين.. السلم ومدّ يد الحوار للجزائر من جهة، و”نظارة الصحراء المغربية” من جهة ثانية.. فبقدر ما يحرص المغرب على استقرار المنطقة (المغرب العربي وشمال إفريقيا).. فإنه يقيّم علاقته بالدول عربية وغير عربية على أساس موقفها من قضية الصحراء المغربية.. هناك شروط انتقال إلى نظام دولي جديد.. وهمّ المغرب أن لا يتم هذا الانتقال على حساب حقوقه المشروعة والتاريخية في صحرائه، بل لفائدتها إما بإنهاء النزاع المفتعل، أو التقدم فيه بخطوات حاسمة لمصلحة المغرب.
-في علاقة الشعب بالقضية: إذ تُجمع كافة الفئات الاجتماعية والسياسية المغربية على مغربية الصحراء، باستثناءات تمثل أقلية سياسية يتسم موقفها بالغموض.. إما على أساس حق أريد به باطل وهو “مبدأ تقرير المصير”.. وإما على أساس فهم زائف للواقع السياسي المغربي مفاده “التغيير السياسي قبل الصحراء المغربية”.. ناهيك عن بعض الشواغل الخارجية التي تشوش على الإجماع الوطني وتشغله عن قضيته الوطنية الأولى، ما ينتج لدى بعض الفئات تفاوتا شعوريا وعاطفيا لفائدة قضايا عربية وإسلامية، وعلى حساب القضية الوطنية.. والمطلوب أن تتضح لفئات من الشعب العلاقة المصيرية بين المغربي وصحرائه، والتركيز على هذه العلاقة كما يتم التركيز على علائق أخرى، من قبيل العلاقة بالمشرق العربي لدى القوميين، والعلاقة بالأمة لدى الإسلاميين، والعلاقة بالأممية الاشتراكية لدى اليسار..
الصحراء المغربية
-إجماع الأقاليم الجنوبية.. هناك إجماع للأقاليم الجنوبية على مغربية الصحراء، وهو الإجماع الذي تؤكده علاقة شيوخ القبائل بالدولة المغربية، وكذا علاقة المجتمع الصحراوي ككل بمختلف البنى المغربية.. وهي العلاقة التي تنتظم في أبعاد دينية (إمارة المؤمنين).. وسياسية (علاقة البيعة) ودستورية (التصويت على الدستور والانخراط في المسار الديمقراطي والتنمية).. واقتصادية (الاستفادة من الإنتاج الوطني والمساهمة فيه)، واجتماعية (الاندماج في التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية المغربية) وثقافية (اندراج الخصوصية الحسانية في الخصوصية الثقافية المغربية الجامعة).. الخ.
-مستجدات المرجعية الأممية: تبقى هذه المستجدات إلى حدود الساعة في مصلحة المغرب، وقد عزز القرار الأخير لمجلس الأمن هذا المنحى.. وذلك رغم ما تخلفه قراءته القانونية من نظرة تشاؤمية جعلت البعض يقول إن “القضية على مستوى القرار لم تراوح مكانها”.. إلا أن القراءة السياسية للقرار تؤكد تقدم الخطة المغربية.. فتمديد بعثة المينورسو لسنة متفهم في سياق دولي مضطرب، بل إنه يخدم القضية من جهة رقابة البعثة على جبهة “البوليساريو” والوقوف العياني والميداني على خروقاتها في مقابل الالتزام المغربي.. وبالإضافة إلى ذلك فإن التأكيد على واقعية “الحل المغربي” يضعف مقترح الاستفتاء ويجمّد إحدى وظائف البعثة، أي الإشراف على الاستفتاء.. المقصود هو أن الحفاظ على هذا المقتضى الأممي يصب في مصلحة المغرب.. فهو من جهة يقترب من المخطط المغربي (الحكم الذاتي)، ومن جهة أخرى يؤجل اللجوء إليه إلى حين نضج شروطه الدولية.. التي لن تكون إلا في مصلحة المغرب.
الاعتراف الأمريكي
-الاعتراف الأمريكي: وهذا حدث بارز فرض نوعا من الضغط على الموقف الغربي تجاه القضية الوطنية؛ فتبعه اعتراف إسبانيا وألمانيا ومؤشرات لتقدم الموقفين البريطاني والفرنسي، وهذه هي أهم دول الاتحاد الأوروبي.. وليس الاعتراف الأمريكي وليد رغبة ذاتية لبعض المسؤولين الأمريكيين.. أو حتى لطرف من أطراف الولايات المتحدة.. وإنما هو نتاج تحول ملموس يعرفه العالم شيئا فشيئا، يفرض على أمريكا تصفير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (صفر أزمة).. حتى لا تُستنزَف فيهما على حساب مناطق أخرى، كالشرق الأقصى، هي أكثر أهمية من الناحية الجيوسياسية حاليا.. مع الإشارة إلى أن تصفير المنطقة لا يعني رفع اليد الأمريكية عن المنطقة نهائيا، وإنما تحويل أسلوب التأثير من السيطرة إلى الهيمنة.. وهذا الأخير أقل ضررا إذا ما اعتمدنا مقياس السيادة على التراب الوطني.. فتبقى مجالات الثقافة والاقتصاد والإعلام ميدانا للمنافسة بين استراتيجيتين.. وطنية وأجنبية..
البوليساريو في طريقها للزوال
-واقع “البوليساريو”.. تعيش “البوليساريو” أسوأ أحوالها اليوم.. بعد تعرضها لعدد كبير من الانشقاقات.. وبالمناسبة فهي أزمة بدأت منذ اكتشف المصطفى الوالي السيد الورطة.. التي وضعت فيها الجبهة الانفصالية نفسها بين فكي ليبيا والجزائر، قبل أن يتم اغتيال “الزعيم الروحي” للحركة (الوالي السيد)، وقبل أن تصبح معولا في يد خصوم المغرب الإقليميين والدوليين.. معارك خاضتها “البوليساريو” كوكيل سياسي مسلح انتهت بها إلى ما نراه اليوم.. رجوع بعض القيادات إلى أرض الوطن (البشير الدخيل)، حركات تصحيحية داخل المخيمات.. تأسيس خطوط منشقة في الخارج.. (المصطفى سلمة ولد سيدي مولود المنفي بموريتانيا/ خط الشهيد الذي يترأسه المحجوب السالك المقيم بإسبانيا).
افتضاح السرقات والجرائم الجنسية وفساد “القيادة” وتبعيتها للجزائر.. احتجاجات وصراعات داخل المخيمات، التورط في الإرهاب بإفريقيا جنوب الصحراء، خرق المرجعية الأممية بل والاستهتار بها ومعاداتها.. (خرق اتفاق وقف إطلاق النار من جانب واحد)، انحسار الدعم المقدم لها بسبب ارتفاع شروط الحرب الباردة.. وبعدها شروط السيطرة الأمريكية على العالم
مطالبة الشعب الجزائري بفك ارتباط بلاده ب”البوليساريو”.. لسان حال هذه المؤشرات يقول.. “البوليساريو محاصرة أكثر من ذي قبل، وهي تبحث عن حل تحافظ فيه القيادة على مصالحها.. وتصرّف من خلاله أزمة المحتجزين مغاربة وغير مغاربة”.
التصعيد الجزائري
-تفسير التصعيد الجزائري.. لقد أصبح النظام الجزائري مقتنعا أن ملف الصحراء المغربية.. في مراحله الأخيرة لتصفية النزاع المفتعل.. فقد خاب أمله في واجهة بحرية أطلسية، وربما في قيادة المغرب العربي والتفوق على المغرب إفريقيا.. ما الحل إذن؟ ممارسة نوع من الضغط لتصريف الاحتقان الداخلي.. وكذا للخروج من التوترات الحالية ببعض المكاسب، لعل أهمها الحفاظ على حدود الجزائر الحالية وإنهاء قضية “انفصال القبائيل” التي تهدد الجزائر في وحدتها الترابية.. ولأن الجزائر عاجزة عن ابتكار وسيلة ناجعة للضغط والتموقع الدولي والإقليمي بعيدا عن المغرب.. فإنها تربط قضيتها بالقضية المغربية وتفتعل الصراع مع المغرب كورقة من أوراقها في التسويات الدولية القائمة، بالإضافة إلى الغاز والنفط والعلاقة بروسيا والصين وبعض الدول الإفريقية.. وليست لهذه الأوراق نجاعة “ورقة البوليساريو”.. “البوليساريو” مجرد ورقة في نهاية المطاف!