تمغربيت:
أوروبا بين مطرقة الشعبوية المتطرفة وسندان الحاجة إلى العمالة المؤهلة
عرت أحداث فرنسا الأخيرة والمستمرة حاليا، ولو بحدة أقل، على هشاشة الأنظمة والدول الأوربية إزاء العديد من الإشكاليات.. ومن بينها المشاكل المتعلقة بالعنصرية، والفوارق الطبقية والاجتماعية بين الحواضر الراقية والهوامش البائسة. وكذا إشكالية ضبط الهجرة مقابل استقدام العقول والعمالة المختصة أو الماهرة.. وهي مشاكل يؤدي سوء تدبيرها إلى صعود نجم أحزاب اليمين والخطاب الشعبوي المتطرف..
الاتحاد الأوربي ..نقص حاد في العمالة والكفاءات
وفي الوقت الذي تعاني فيه عدد من دول الاتحاد الأوربي نقصا حادا في العمالة والكفاءات.. منادية بحاجتها الماسة لاستقدام العمالة الماهرة، والكفاءات والعقول المهاجرة.. تتزايد في المقابل مظاهر العنصرية في المجتمعات الأوربية خصوصا بألمانيا وإيطاليا والسويد وفرنسا، متمثلة على الخصوص في صعود أحزاب اليمين الشعبوي المتطرف مثل حزب “مارين لوبين بفرنسا” و”حزب البديل من أجل ألمانيا”.. وتتويجا بفوز اليمين المتطرف برئاسة الوزراء بإيطاليا إلخ.. الأمر الذي يعرقل مثل هذه الخطط الحيوية والاستراتيجية بالنسبة لبعض دول الاتحاد الأوربي، المتمثل في ملئ الفراغ السكاني والنقص في العمالة المهارية والكفاءات والعقول المهاجرة.
أوروبا لازالت في حاجة لليد العاملة المؤهلة
فغالبية دول الاتحاد الأوربي تواجه تحديات صعبة للغاية تتمثل في ارتفاع نسبة الشيخوخة العالية.. وضعف نسبة الشباب والولادات بصفة عامة.. وبالتالي تعاني من أزمة سكانية ديمغرافية حقيقية، توجب عليها مواجهتها بإغراء وجلب مهاجرين من صنف الكفاءات والعقول وكذا العمالة المهارية.. هذا إذا أرادت مواجهة هذه الفجوة السكانية والنقص الحاد في العمالة المتخصصة.. وإلا فالأمر ينبئ بتهديد مباشر للنمو الاقتصادي الذي تعرفه هذه البلدان.
خطر اليمين المتطرف على الديمقراطية في أوروبا
هذه الدول تواجه في الوقت ذاته تحديات سياسية واجتماعية تتمثل في صعود أحزاب اليمين المتطرف والخطاب الشعبوي المعادي للمهاجرين.. والمعرقل لسياسة هذه الدول من أجل استقدام المهاجرين الأكفاء ضمن مخططات حيوية واستراتيجية للغاية تهدد بضرب اقتصادياتها.
في هذا السياق الخطير الذي “لا تحسد عليه” هذه الدول الأوربية، تزداد الأمور سوءا عندما تُفضل العمالة المهارية والكفاءات وهجرة العقول الإغراءات المادية وقلة المظاهر العنصرية بكل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا.. وبالتالي تعد هذه المنافسة الشرسة من هاته الدول المتقدمة عقبة أخرى تواجهها أوروبا في مخططاتها الرامية إلى جلب العمالة والكفاءات.
إن ما يجري في فرنسا من مواجهات وعنصرية وتأزم في العلاقات الاجتماعية ووو هو إسقاط لما يقع في باقي الدول الأوروبية ولو بمظاهر أخف.. الأمر الذي ينذر بصعود للخطابات العنصرية وأحزاب اليمين الشعبوية وبالتالي عرقلة استقدام المهاجرين الذين تحتاجهم الآلة والعجلة الاقتصادية..
وتتعالى أصوات إعلامية وفكرية وأكاديمية بل وخطابات لرؤساء أيضا، تحذر من التصويت لصالح التطرف على شكل تصويت احتجاجي وعقابي.. وهو ما قد يفسح المجال لصعود “التيارات المثيرة للخوف في المجتمع والأحزاب التي تتسم بالطابع العنيف عوض الحوار والسجال، والتفاعل داخل منظومة الدولة ووفق النموذج الديمقراطي مفخرة المجتمعات الغربية”.