تمغربيت :
اللقلاق أو اللقلق أو بلاّرج – وفي الجزائر يضاف إليه تبعا لإحدى الأغاني القديمة، بلارج يا طويل الgايمة. بلارج هذا في المغرب، و في الزمن الجميل، زمن القناة التلفزية الواحدة وزمن الراديو، ارتبط اسمه بمونادا “لاسيكوني la cigogne ” التي ارتبطت بطقوسا لسهر ليلا ولعبة الأوراق سواء “الكارطا أو الرامي”، حيث كانت جائزة اللعبة هي “قرعة مونادا” وبالضبط مونادا لاسيكوني التي كنا نسميها (الحرشة). فكنا نعيش، خصوصا في ليالي رمضان، من بعد التراويح إلى ما قبل السحور، مع ألعاب الأوراق و الحرشة فقط.
بلارج هذا يظهر أيضا في قصص الأطفال، وغالبا ما يظهر مع صديقه الثعلب الماكر. من بينها قصة تحكي أن الثعلب أراد الاستهزاء والتقشاب على صاحبنا طويل الgايمة وطويل المنقار فعزمه على مأدبة غذاء أو عشاء، فقدم له الحساء في طبسيل مسطح. فبقي صاحبنا بدون أكل لعدم تمكنه من التقاط شيء بمنقاره فوق قطعة مسطحة.. فما كان على اللقلاق إلا أن عزم صديقه الماكر والعنصري لمأدبة، ردا للجميل وردا على (العراضة) كما يتوجب الأمر وأدب الأخلاق. فما كان على صاحبنا (الحرشة) إلا أن قدم له الأكل في جرة صغيرة الفتحة، سمينة البطن، فما استطاع الماكر أن يُدخل رأسه وفمه الكبير فيها، فرجع بئيسا مخذولا لم يأكل شيئا. بعدما هضم الدرس الذي علمه إياه صاحبنا بلارج، القاضي بالاعتراف بالاختلاف والتنوع كظاهرة طبيعية “فربي خلق اُو فرق كما يقال”.
لكن بلارج هذا مخلوق آآآآخر خاااالص في بلاد هووك؛ بلاد العجائب والغرائب، بلاد الأساطير والخرافات ، بلاد قل فيها ما شئت ومتى شئت وكيف شئت بلا حسيب ولا رقيب … فقد خرج نهاية هذا الأسبوع أحد كبار القوم وليس من (يا أيها الناس) ليحدثنا عن بلارج وبالضبط عن بلارج يا طويل الgايمة الجزائري. وهذا الكبير هو أحد – اسمع وقرا مزيااان – مستشاري فخامة رئيس الجمهورية. نعم مستشار كيما كا تسمع وتقرا. فسرد قصة أحد البلاريج أو اللقالق في عهد الاستعمار الاستيطاني، (أي زمن الجزائر الفرنسية الجميلة، ماشي جزائر الطوابير والحريك اليوم)، الذي مزق راية فرنسا وهو يستعملها في بناء عشه، وفي رواية أخرى عن مصدر آخر، مزق راية فرنسا ومرغها في الوحل و الغيس. والروايتان لحد الآن لا تخرجان عن ‘المألوف’ بلغة الخشب، ولا عن ‘الجائز’ بلغة أهل علم الكلام وأهل الفقه معا، مع اختلاف دلالات معان ‘الجائز’ في العلمين طبعا .
المستشار وليس أي مستشارتبارك الله عليه، يضيف أن العسكر الفرنسي صوب الرصاص عليه فأصابه، ولأنه بقي حيا سجنه تنكيلا وزيادة في التعذيب. ولأول مرة في حياتي أسمع مثلي مثلكم، أن المستعمر قرر أن يسجنه مع البشر أي مع المقاومين الجزائريين. كذا قال (الحيوان يُسجن مع البشر) عجبا. ولأن السجين له حقوق وعقوق، فقد عَقّه العسكر الفرنسي بقص أجنحته (وهذه رواية فقيه رواها في المسجد أمام معشر المؤمنين بالخرافة عفوا معشر المسلمين ببلاد هووك بلحن جميل وفصاحة في الخطابة تبكي السامعين لها يا سبحان الله) كما أعطاه العسكر الفرنسي حقه في الأكل أيضا. لكن صاحبنا اللقلق أضرب عن الطعام (ولعله أول سجين يضرب عن الطعام أيضا) وذلك احتجاجا أو تأثرا (لم يؤكد الراوي الفقيه ولا الراوي المستشار، في انتظار أن يصححه الألباني عفوا البيطري المؤرخ أو الإطفائي المؤرخ)، احتجاجا أو تأثرا بما كان يرى من تنكيل للمقاومين. وبالتالي مات صاحبنا اللقلاق شهيدا، ويحسبه المستشار والفقهاء ورائه، في انتظار أن يحسبه الشعب الجزائري كله، شهيدا عند ربه.
رحم الله الشووهااضاا ورحم الله شيخ الشووهاضاا: سيدي بلارج طويل الgايمة. في انتظار تدوين بطولاته في المقررات التعليمية، وتخصيص يوم عطلة رسمية في ذكرى استشهاد (الحرشة)، وانتظار تأكيد يوم استشهاده حسب تحقيق”المؤرخين الهجن – les historiens hybrides” أمثال دومير و بارودي.