تمغربيت:
في هذا الجزء الثاني، يقف د. عبد الحق الصنايبي مع الصفحة 13 و14.. من كتاب محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث (بداية الاحتلال) وفصله الأول بعنوان: الحملة الفرنسية على الجزائر. (1)
شيخ المؤرخين على نهج زين السمية..
– يزعم المؤلف ابو القاسم سعد الله ان (الجزائر- اي دولة الجزائر) اعترفت بفرنسا في القرن 18. وكانت تُقرض فرنسا أموالا !!!
والأمر في الحقيقة، بعد النظر والنقد، لا يعدو أن يكون نسيجا من التناقضات والمغالطات.. فمباشرة وفي نفس الصفحة يقول أنه إبان الهجوم الفرنسي على مصر، أعطى السلطان (العثماني) تعليماته للجزائر.. بأن يحارب جيشها في مصر إلى جانب العثمانيين طبعا ضد الحملة الفرنسية. وبالتالي هل كانت الجزائر دولة مستقلة لديها سيادة تامة بقراراتها السياسية كما يريد أن يوحي شيخ المؤرخين للقارئ وهو يذكر اسم الجزائر.. أم انها كانت مجرد جغرافيا وإيالة تابعة للأتراك ليس إلا؟!
والحقيقة، بعد النظر والنقد ثانية، تظهر لنا مدى لا منهجية ولا علمية كبيرهم الذي علمهم السحر.. الذي يؤرخ لأحداث واقوال كبيرة وثقيلة، مثل اعتراف دولة بدولة (الجزائر بفرنسا) وقرض دولة لدولة.. دون أي سند وإحالة لمؤرخ أو لكتاب يحتاجه التوثيق التاريخي والبحث العلمي!
شيخ المؤرخين يطلق “سلوقيته” على القراء البسطاء..
– يقول المؤلف: (وقد تطورت هذه العلاقات فكانت أفضل ما تكون في عهد الثورة الفرنسبة. فقد اعترفت الجزائر بالجمهورية الفرنسية الجديدة في وقت كانت فيه تحت حصار أوربي محكم. وتكونت بين الدولتين، علاقات ودية باستثناء الحملة الفرنسية على مصر ( 1798- 1802) حين طلب السلطان إعلان الحرب على فرنسا) ص. 13-14
– اذا فرنسا 1789م. وفرنسا الجمهورية الأولى، القراصنة هم من اعترفوا بها ومنحوها الشخصية القانونية.. علما بأن جغرافيا ما تسمى اليوم الجزائر كانت تعيش تحت حكم الأتراك.. وكان هذا في زمن وعهد البيلربايات والباشاوات والدايات الأتراك.
– فيا للتناقض والمغالطات وتزوير التاريخ! يقول مرة – (فقد اعترفت الجزائر بالجمهورية الفرنسية الجديدة) فيعترف بعدها مباشرة بالحقيقة فيقول -(حين طلب السلطان -العثماني طبعا- إعلان الحرب على فرنسا)!.. أوَ ليس هذا تاريخ الأتراك ينسبه الشيخ الى الجزائر؟.. نعم هو كذلك .. وهي مغالطة في نفس الكتاب وفي نفس الصفحة بل ونفس الفقرة !!!
فلا عجب، إذا، أن نسمع فخامة رئيسهم أو طبيب الحيوان (ومؤرخ الدولة) أو الجزائريون عموما.. يتغنون بتاريخ ليس بتاريخهم! فهذا شيخ مؤرخيهم وكبير سحرتهم الذي علمهم السحر والتزوير.. يكتب التاريخ التركي في إيالة الجزائر على أنه تاريخ جزائري خالص!
ادعاءات بلا إحالات.. أين المنهج التوثيقي؟
– ثم يضيف الشيخ: (وفي 1796 أقرضت الجزائر حكومة الثورة في فرنسا مليونا من الفرنكات بدون فائدة، على أن تستعمل فرنسا هذا المبلغ في شراء الحبوب من الجزائر..)
كلام كبير، لكن دون إحالة ولا توثيق. كلام ثقيل ينسبه الى دولة الجزائر! مع أنها مجرد إيالة وإقليم كان يحكمها الأتراك ولم تكن لها لا سيادة ولا هم يحزنون. يجعل منها دولة بجرة قلم، في خطة ومنهجية بئيسة من طرف النظام لكتابة تاريخ لا تملكه الجزائر!
– ثم يكتب صاحبنا بعدها، فيخونه القلم، حيث يأتي أخيرا على ذكر اسم (الحكم العثماني) بالحرف والتسمية والنعت والصفة! بعدما كان يتكلم عن (العهد العثماني) سابقا! ولا يخفى على القارئ اللبيب الفرق بين القول (بالعهد العثماني) والقول (بالحكم العثماني). فالقول الثاني يقضي بأن الجزائر جغرافيا وإقليم كان تابعا للحكم والاحتلال والسلطنة العثمانية وعاصمتها القسطنطينية، ولم تكن دولة ..
وكما هو حال الإمبراطورية العثمانية، كان حال الإمبراطورية والمملكة الشريفة، والتي كان يحكمها السلطان المغربي المسمى باسمه ولقبه كأمير للمؤمنين، وكانت عاصمتها فاس مرة ومراكش مرة ومكناسة مرة والرباط أخيرا. وهذا ما يسمى في العرف والتاريخ والقانون والسياسة الدولية “دولة – ودولة أمة – ومخزن”.. وهذا ما كتبه في ص 14: (أما ثروة بوجناح الطائلة التي أصبح يتمتع بها بعدئذ فهو مدين فيها إلى التعفن والفساد الذي كان شائعا أيام الحكم العثماني)
– ونختم اخيرا المقالة بالسؤال أو التساؤل الوجيه الذي طرحه الدكتور: اذا كانت الدولة جزائرية كما يدعي الشيخ وليست تركية.. فلم لا نجد مراسلة واحدة ولا رسالة واحدة ولا وثيقة واحدة من حاكم أو ملك أو سلطان جزائري موجهة إلى فرنسا أو الى المملكة الشريفة أو أو.. ولا نجد ذكرا لقنصل واحد باسم جزائري أو سفير جزائري واحد في هاته المملكة أو تلك لإمبراطورية؟ ولماذا نجد فقط مراسلات، من وإلى، بايلرباي أو باشا أو داي وهم أتراك ؟؟؟ ونجد قنصلا وسفيرا تركيا هناك وهنالك؟ كما كان الحال ايضا بالنسبة للمملكة الشريفة ذات التاريخ العريق والتي لم تكن تابعة يوما للأتراك؛ مستقلة بسلاطينها وعواصمها وجغرافيتها وجيوشها وأسطولها الحربي ونقودها التي تسك في مغربها وباسم سلاطينها، ولديها سفراء هنا وهناك من امبراطوريات و سفراء من هنا وهناك من دول ومملكات الخ الخ ؟؟؟!!!
(1) المرجو متابعة د. عبد الحق الصنايبي وحلقات “الثقة فالوثيقة”.. عنوان الحلقات: