تمغربيت:
يذكر البروفيسور والفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي في نقده للحضارة الغربية.. من خلال إحدى محاضراته (في كتيب الإسلام هو الحل) جحود الغرب وعدم الاعتراف بالفضل للفكر والتراث الإسلامي على الثقافة والحضارة الغربية.
إن الغرب حصر مصادر ثقافته المعاصرة في عنصرين اثنين فقط : المصدر الإغريقي الروماني.. والمصدر اليهودي المسيحي.. جاحدا وملغيا العنصر الثالث الذي نهلت منه الثقافة الغربية مما وصل إليهم من العرب المسلمين.. باعتبار هذا المصدر مجرد ترجمات لثقافة الغرب، ومقدمة للثقافة الغربية فقط – في زعمهم –
– روجيه غارودي في تفنيده لهذا الجحود يذكر: “أن النهضة الغربية قبل أن تبدأ اعتمادها على الحضارة الإغريقية الرومانية بأيطاليا.. بدأت من اسبانيا بفترة طويلة من إشعاع العلم، من الثقافة العربية الإسلامية”
وردا على المغالطة الأولى يؤكد غارودي أن الفكر الإسلامي لم يقم بترجمة ونقل الفكر اليوناني فقط.. بل كان لديه نتاجه الخاص والمتميز عن هذا الفكر. وفي هذا السياق يسرد أمثلة في مجالات علمية ومعرفية مختلفة؛
فالرياضيات عند اليونان اِنبَنت على نظرية المحدود بينما هي عند العرب مبنية على نظرية اللا محدود..
والعلم الروماني اتسم بالتجريد بينما العلم العربي الإسلامي ذو طابع تجريبي.. ولعل أعظم قفزة علمية قام بها الغرب كانت نتيجة اعتماده على العلم التجريبي هذا…والمعمار اليوناني يعتمد الثوابت والخطوط المستقيمة بينما العمارة الإسلامية تعتمد الأقواس والقباب والسيمفونية الفنية.
ثم ان الفلسفة اليونانية انحصرت في مباحث المادة والمعرفة والتجريد.. بينما الفلسفة الإسلامية اعتمدت على فلسفة العمل .. وعموما الفكر الإسلامي والفكر اليوناني لم يكونا متطابقين ابدا.
وردا على المغالطة الثانية التي تقول ان العلم العربي مجرد مقدمة للعلم الغربي.. يبرز غارودي الاختلاف بين الثقافتين في نواحي العلم والفلسفة.. وبالتالي لم يكتف العرب المسلمون بترجمة علوم فحسب بل انتجوا فلسفة وعلوما ومعارف مختلفة عما أنتجه الغرب اليوناني.
– فاذا كان الغرب يتغاضى عن المعنى والقوة العلوية مما جعل العلم ينحدر – وجعل السياسة تتحول إلى ميكيافيلية – وجعل هدف التنمية والاقتصاد هو النمو العددي والكمي وجعله هدفا في حد ذاته، دون الأخذ بعين الاعتبار الإنسان ومصلحته وازدهاره.
– فالعرب خلاف الغرب ؛ – لا يفصلون بين العلم والحكمة .. – ولا يضيعون الهدف بل يضعون نصب أعينهم المعنى والهدف في كل عمل .. – ولا يعتبرون الحوادث والأحداث التاريخية حتمية وحتما واقعا بل مجرد إشارات .. – ولا يوغلون في التخصصات الجزئية الدقيقة التي لايستفاد منها إلا جعل العلم والفن والحياة دون معنى ودون هدف؛ علم من أجل علم وفن من أجل فن وحياة دون معنى. فالعرب والمسلمون لا يفصلون بين الأمور فيما بينها وإنما يبحثون في الأجزاء في إطار الكل فيرون الجزء بالنسبة للمجموع لكي نتحصل في الأخير على معنى وهدف، فالعلم له هدف والفن له رسالة والحياة لها معنى.
.
* دقيقة للتفكير : مهما جحد الغرب فضل الفكر والتراث الإسلامي على الثقافة والحضارة الغربية كرافد ومصدر ثالث. فالشواهد العلمية والثقافية كثيرة تؤكد العكس، كما تبرز اختلاف وعدم تطابق الفكر الإسلامي والفكر اليوناني. فالفكر الإسلامي مستقل ومتميز له خصائصه ودعائمه ومرتكزاته الخاصة والتي انتقلت من غرناطة والقرويين وغيرها من الجامعات الاسلامية إلى الغرب.