تمغربيت:
د. عبد الحق الصنايبي
يبدو أن خرجة ماكرون حول “الأمة الجزائرية”، والتي أثارت حفيظة النظام العسكري في الجزائر، لم تأتي من فراغ وإنما جاءت مبنية على حقائق تاريخية وقرائن مادية لا يمكن إنكارها أو التنكر لها.
في هذا الصدد، فإن الرواسب التاريخية تقطع بأن تشكل الجزائر ك “دولة-أمة” لم يبدأ إلا بعد استقلال المنطقة عن الاستعمار الفرنسي، بعد أن كان قد ورثها عن الاحتلال التركي. ولعل ما يؤكد هذا المعطى هو الطريقة التي دخل بها المستعمر الفرنسي، حيث تجمع الكتابات بأن دخول هؤلاء إلى الجزائر لم يشكل حدثا كبيرا لدى الساكنة المحلية والتي لم تعلن رفضها الخضوع لهذا الاحتلال إلا مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين لاعتبارات سنأتي على ذكرها في مقالة منفصلة.
في هذا السياق، يصف وليام سبنسر دخول الفرنسيين إلى الجزائر (بمسماها الحالي) في كتابه “الجزائر في عهد رياس البحر” فيقول “وقد لقيت الوحدات الفرنسية وهي تسير في عاصمة القرصان تحية الصمت وذلك بالرغم من أن دكاكين التجار الجزائريين بقيت مفتوحة والرجال الأشداء الجالسون في المقاهي قد استمروا في احتساء القهوة وتدخين غليونات المياه. فكان ذلك بمثابة انتهاء عصر ولا أحد يأبه”. (ص 199/200)
وبالعودة إلى نقطة البحث، للإجابة على السؤال المحوري: هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ نحيل القارئ على شهادة موثقة لمؤرخ “جزائري” ألف كتاب “جزائري”، نُشر في مطبعة “جزائرية”. والحديث هنا عن المؤرخ صالح عباد والذي ألف كتاب تحت عنوان “الجزائر خلال الحكم التركي” جاء في بعض فقراته “…فإننا نجد أنفسنا اليوم أمام توجه معاكس تماما، يقدم لنا هذه السلطة (سلطة الأتراك) سلطة ديمقراطية وفي خدمة الشعب…ويغالي أصحاب هذا التوجه إلى حد القول أن التعليم كان أكثر انتشارا في الجزائر منه في فرنسا، وأن الأمة الجزائرية تشكلت قبل الاستعمار الفرنسي“. (ص 4)
إن شهادة هذا المؤرخ تؤكد مرة أخرى بأن تبلور مفاهيم الأمة الجزائرية لم تبدأ في التشكُّل إلا بعد التأسيس الحقيقي للجزائر سنة 1962م. ولا يقف المؤرخ الجزائري عند هذا الحد، بل يؤكد بأن الجزائر كانت، في بعض الأوقات، مجرد مدينة تابعة لمملكة تلمسان، فيقول في الصفحة 10 من نفس الكتاب “كانت مدينة الجزائر تابعة لمملكة بني زيان بتلمسان، لكنها استسلمت لملك بجاية القائم حديثا لقربها من مملكته”.
من خلال هذه الشهادة، يتبين بأن من يتطاولون على تاريخ إمبراطورية لها أزيد من 12 قرنا من التواجد الفعلي، هم في حقيقة الأمر حديثوا العهد بمفاهيم الدولة والأمة، لذلك تجدهم ينظرون إلى الحدود والوطن من زاوية ضيقة، ويعتبرون النيل من الوحدة الترابية للدول مجرد تدبير تكتيكي لا يحتاج إلا لبعض المناورات والكثير من المال، وهو ما جعلهم يترنحون تحت هذا المطلب ويغرقون في وحل الأطروحة الانفصالية.