تمغربيت : رحاب الغرباوي
يشكل الاستثمار الأجنبي المباشر ركيزة استراتيجية في تعزيز النمو الاقتصادي لأي دولة والمغرب ليس استثناء فقد عملت المملكة المغربية خلال العقدين الأخيرين على وضع سياسات واستراتيجيات تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتحويل الاقتصاد الوطني نحو دينامية أكثر حداثة وتنوعا مع تعزيز موقعها كوجهة اقتصادية متميزة في شمال إفريقيا.
شهد المغرب منذ أواخر التسعينات تحولا كبيرا في سياسة الاستثمار بعد إدراك الحكومة المغربية أهمية الانفتاح الاقتصادي على العالم تمثل هذه السياسة في تبني إصلاحات قانونية ومالية تشجع المستثمرين الأجانب على الدخول إلى السوق المغربية سواء في الصناعات التقليدية مثل النسيج والفلاحة أو في القطاعات الجديدة كالطاقات المتجددة والصناعة الرقمية.
التحولات الاقتصادية التي رافقت سياسة الانفتاح شملت أيضا تحسين البنية التحتية، وتطوير الموانئ والمطارات، وتسهيل الإجراءات الإدارية من خلال إحداث “نافذة واحدة” لإنشاء الشركات، بالإضافة إلى تقديم حوافز ضريبية واستثماراتية للمشاريع الأجنبية.
نتيجة لهذه الإصلاحات أصبح المغرب خلال العقد الأخير وجهة رئيسية للاستثمار الأجنبي المباشر في شمال إفريقيا حيث تجاوزت تدفقات الاستثمار الأجنبي أكثر من 1.5 مليار دولار سنوياً، مع تسجيل نمو ملحوظ في السنوات الأخيرة.
تشير البيانات الرسمية إلى أن المغرب حقق في عام 2024 زيادة بنسبة 55% في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة بعام 2023، ليبلغ نحو 1.64 مليار دولار، وهو الرقم الأعلى في تاريخ البلاد. هذا الأداء يعكس ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد المغربي خصوصا بعد الإصلاحات التشريعية وتطوير البنية التحتية بالإضافة إلى استقرار الوضع السياسي الربع الأول من عام 2025 شهد أيضا استمرار هذا الاتجاه الإيجابي، حيث بلغ صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 9.15 مليار درهم، بزيادة 63.6% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق وتعكس هذه الأرقام تحسنا كبيرا في قدرة المغرب على جذب رؤوس الأموال الأجنبية واستدامة الثقة الدولية في الاقتصاد الوطني.
تتنوع القطاعات التي تجذب الاستثمارات الأجنبية في المغرب بشكل ملحوظ، حيث تعتبر صناعة السيارات والطيران من أبرز القطاعات نظرا لتوفر اليد العاملة المؤهلة والبنية التحتية المتطورة والموقع الاستراتيجي للمملكة.
كما يشهد قطاع الطاقات المتجددة اهتماما متزايدا، خاصة بعد المشاريع الكبرى في الطاقة الشمسية والرياح، والتي جعلت المغرب نموذجا يحتذى به في المنطقة في هذا المجال
الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي يمثلان أيضا فرصا واعدة، حيث تعمل الحكومة على تطوير البنية التحتية الرقمية وتقديم حوافز تشجيعية للمستثمرين، مع التركيز على تعزيز الابتكار ونقل التكنولوجيا.
حيث ساهمت عدة عوامل في تعزيز جاذبية المغرب للاستثمار الأجنبي، أبرزها الإصلاحات التشريعية والإدارية التي ساعدت على تبسيط الإجراءات وتقليل البيروقراطية، وكذلك الاتفاقيات التجارية التي أبرمها المغرب مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبلدان أخرى، والتي فتحت أسواقا جديدة أمام المنتجات المغربية الاستقرار السياسي والاقتصادي للمملكة شكل عاملا حاسما في كسب ثقة المستثمرين، خاصة في منطقة تعاني من بعض الاضطرابات السياسية، مما جعل المغرب بيئة أكثر أمانا وجاذبية للاستثمارات الدولية.
على الرغم من هذا الأداء الإيجابي، لا تزال هناك تحديات تواجه جذب الاستثمارات الأجنبية، من أبرزها التعقيدات البيروقراطية التي قد تعيق سير بعض المشاريع الاستثمارية، بالإضافة إلى صعوبة تأمين التمويل للمشاريع الكبرى في بعض الأحيان مع ذلك، تشير التوقعات إلى أن المغرب سيستمر في جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في ظل التوجه نحو الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة، واهتمامه بتعزيز البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال.
المملكة أصبحت لاعبا رئيسيا على الساحة الاقتصادية الإقليمية والدولية، وأن سياساتها واستراتيجياتها الإصلاحية ساعدت على تحويل التحديات الاقتصادية إلى فرص للنمو والتنمية استمرار المملكة في تطوير سياساتها الاقتصادية، وتحسين بيئة الأعمال، ودعم القطاعات الواعدة، سيجعل المغرب نموذجاً للنجاح في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، مع تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة ورفع القدرة التنافسية للمملكة على المستوى الدولي