تمغربيت : رحاب الغرباوي
منذ عقود والمغرب يخوض معركة دبلوماسية طويلة النفس دفاعا عن وحدته الترابية معتمدا على سياسة ثابتة تقوم على الشرعية التاريخية والقانونية وعلى رؤية ملكية واضحة تضع قضية الصحراء في صدارة الأولويات الوطنية واليوم تبدو ثمار هذا الجهد الدبلوماسي تتجسد بشكل أوضح مع اتساع رقعة الاعترافات والدعم الدولي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، باعتبارها الحل الواقعي والوحيد القابل للتطبيق في مواجهة الطروحات الانفصالية التي فقدت الكثير من بريقها ومصداقيتها.
فرنسا باعتبارها قوة كبرى وشريكا أساسيا للمغرب تمثل أحد أبرز الداعمين للمقاربة المغربية في قضية الصحراء موقفها الثابت من مبادرة الحكم الذاتي يعكس اقتناعا بجدية الطرح المغربي وقدرته على إنهاء النزاع المفتعل بشكل عملي وواقعي وفي المقابل يجد خصوم المغرب أنفسهم أمام واقع جديد تتقلص فيه المساحات الدعائية لجبهة البوليساريو الإنفصالية داخل فرنسا وأوروبا عموما
الأكثر لفتا للانتباه هو التحول المفاجئ في مواقف اليسار الراديكالي الفرنسي، المعروف تاريخيا بانحيازه لجبهة البوليساريو هذا التيار السياسي، الذي لطالما شكل سندا دعائيا للجبهة في أوروبا بدأ يراجع قناعاته تحت تأثير عدة عوامل من بينها حيوية الدبلوماسية المغربية، والخطاب الوحدوي للملك محمد السادس، إضافة إلى التغيرات الإقليمية والدولية التي جعلت من مقترح الحكم الذاتي الحل الأكثر معقولية.
صحيفة لوفيغارو وصفت هذا التحول بأنه مفاجأة سياسية وهو في العمق نتيجة مباشرة لنجاح المغرب في كسب ثقة الرأي العام الأوروبي والتأثير في النقاشات الداخلية لفرنسا.
الملك محمد السادس، بصفته قائد البلاد ومرجعيتها السياسية، أدرك منذ البداية أن معركة الصحراء ليست فقط قضية حدود جغرافية، بل هي قضية وجود وكرامة وهوية ومن هنا جاء خطابه الأخير بمناسبة عيد العرش، حيث دعا إلى تحسين العلاقات مع الجزائر في رسالة تؤكد أن المغرب لا ينظر إلى الصحراء باعتبارها موضوع نزاع إقليمي مع الجيران بل كجزء لا يتجزأ من سيادته الوطنية مع انفتاح دائم على الحوار والتعاون.
هذه المقاربة الحكيمة تضع خصوم المغرب في موقف صعب إذ تظهرهم كطرف متشدد يرفض الحلول الواقعية بينما يقدم المغرب نفسه كفاعل مسؤول يسعى إلى الاستقرار والتنمية في المنطقة.
إلى جانب الدعم الفرنسي لم يكن ممكنا إغفال الموقف الأمريكي بأكيده دائم على سيادة المغرب على صحرائه إن نجاح الدبلوماسية المغربية لا يمكن فصله عن الدينامية التنموية التي يقودها الملك محمد السادس في الأقاليم الجنوبية المشاريع الكبرى في البنية التحتية، الاستثمارات المتزايدة، وربط الصحراء بالاقتصاد الوطني والدولي، كلها عوامل حولت المنطقة إلى فضاء جذب واستقرار، في تناقض صارخ مع الصورة التي تحاول البوليساريو الإنفصالية ترويجها وهنا يتجسد البعد العملي للرؤية الملكية إقناع العالم ليس فقط بالكلام والبيانات، بل أيضا بالإنجازات الملموسة على الأرض.
اليوم ومع اقتراب مناقشات جديدة في مجلس الأمن والتي قد تشهد تصويتا حاسما لصالح المغرب يواجه خصوم المملكة وضعا معقدا حيث تتقلص خياراتهم وتتراجع حظوظهم في كسب التعاطف الدولي وفي المقابل، يزداد رصيد المغرب قوة، بفضل تماسك جبهته الداخلية، وحكمة قيادته الملكية، وفاعلية تحركاته الدبلوماسية التي تجمع بين الصرامة في المبادئ والانفتاح في الأسلوب.
إن المغرب اليوم ليس فقط مدافعا عن قضية وطنية عادلة، بل هو أيضا نموذجا لدولة عرفت كيف تجعل من الدبلوماسية رافعة للتنمية والاستقرار والشرعية الدولية التحولات داخلية في فرنسا أو أوروبا، ليس سوى بداية لمزيد من الانتصارات السياسية والدبلوماسية التي تعزز مكانة المملكة كقوة إقليمية وفاعلة في الساحة الدولية