تمغربيت : رحاب الغرباوي
شهد اجتماع مجلس الحكومة، المنعقد يوم الخميس محطة بارزة في مسار إصلاح التعليم العالي بالمغرب حيث تمت المصادقة على مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي الذي قدمه وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عز الدين المداوي ويأتي هذا النص التشريعي في إطار التنزيل العملي للقانون الإطار رقم 51.17 الخاص بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، باعتباره مرجعية عليا لإصلاح هذا القطاع.
يهدف مشروع القانون الجديد إلى رسم معالم سياسة عمومية حديثة في مجال التعليم العالي، تقوم على توجيهات واضحة تضمن الارتقاء بجودة التكوين والبحث العلمي، وتستجيب في الوقت ذاته للحاجيات التنموية للمملكة. وقد أوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن المشروع يشمل عدة محاور أساسية تتعلق بالهندسة البيداغوجية واللغوية، والحكامة الجامعية، وآليات التتبع والتقييم، وهو ما يعكس الرغبة في تحديث هذا القطاع بشكل شمولي.
يضع المشروع ضمن أولوياته تعزيز الدور المحوري للجامعة المغربية كمؤسسة منتجة للمعرفة ورافعة للتنمية فمن خلال إعادة هيكلة نظام الحكامة وتبسيط تنظيم المؤسسات الجامعية والبحثية يسعى النص إلى تجاوز الاختلالات السابقة التي طبعت العلاقة بين الجامعة ومحيطها الاقتصادي والاجتماعي وبذلك يصبح التعليم العالي أكثر انفتاحا على حاجيات سوق الشغل، وأكثر قدرة على تكوين رأسمال بشري كفء ومؤهل لمواكبة التحولات التكنولوجية والاقتصادية التي يعرفها العالم.
من أبرز ملامح مشروع القانون أيضًا إرساء قواعد جديدة للهندسة البيداغوجية، سواء على مستوى هيكلة التكوينات أو على مستوى التنوع اللغوي. ويهدف ذلك إلى إرساء تكوينات منسجمة، ذات جودة عالية، تستجيب لمتطلبات المقاولات الوطنية والسوق الدولية كما يشدد النص على أهمية التنويع اللغوي باعتباره مدخلا أساسيا لانفتاح الجامعة المغربية على محيطها العالمي.
أما على صعيد البحث العلمي، فإن القانون 59.24 يسعى إلى إعادة الاعتبار له باعتباره قاطرة التنمية المستقبلية. إذ ينص على تعزيز الشراكات بين الجامعات ومراكز البحث والقطاع الخاص، مع توجيه الجهود البحثية نحو ميادين ذات أولوية وطنية مثل الصحة، الطاقات المتجددة، الأمن الغذائي، الرقمنة، والصناعات المتقدمة ومن شأن هذا التوجه أن يجعل البحث العلمي رافعة حقيقية للنموذج التنموي الجديد، بدل أن يظل نشاطا معزولا بعيدا عن التطبيق.
ويكتسي محور الحكامة مكانة أساسية في مشروع القانون حيث تمت صياغة قواعد تنظيمية تهدف إلى تحسين التنسيق بين مختلف الفاعلين وضمان النجاعة والشفافية في تدبير المؤسسات الجامعية فبدون حكامة رشيدة تبقى كل الإصلاحات مجرد شعارات وهو ما وعاه المشرع من خلال تخصيص حيز مهم لهذا الجانب في النص الجديد.
إن مصادقة الحكومة على مشروع القانون 59.24 لا تمثل مجرد خطوة قانونية عابرة، بل تعكس إرادة سياسية واضحة لإرساء تعليم عالٍ وبحث علمي قادرين على مواكبة تحديات العصر فالتعليم لم يعد ينظر إليه كخدمة اجتماعية فقط، بل كقطاع استراتيجي يولد الثروة ويسهم في تعزيز تنافسية المغرب إقليميا ودوليا.
ويبقى التحدي الأساسي اليوم هو ضمان تفعيل مقتضيات هذا القانون على أرض الواقع، من خلال توفير الإمكانات المالية والبشرية الكفيلة بترجمته إلى إنجازات ملموسة فنجاح هذا الورش سيقاس بقدرة الجامعة المغربية على تخريج أطر مؤهلة، وبمدى إسهام البحث العلمي في دعم السياسات العمومية والاقتصاد الوطني.
وبذلك يمكن القول إن مشروع القانون 59.24 يمثل لبنة أساسية في مسار طويل من الإصلاح، يهدف إلى جعل التعليم العالي والبحث العلمي قوة محركة للتنمية المستدامة، وركيزة لبناء مغرب الغد.