تمغربيت: فتيحة شاطر
مع دخول قانون العقوبات البديلة رقم 43.22 حيز التنفيذ يوم 22 غشت، يعلن المغرب بداية مرحلة جديدة في السياسة الجنائية، تقوم على مقاربة إصلاحية شاملة، تهدف إلى الحد من السجون، تعزيز الإدماج الاجتماعي، والحد من معدلات العودة للجريمة. القانون يمثل التزامًا واضحًا بمبادئ حقوق الإنسان، ويمثل توافقًا مع المعايير الدولية حول العدالة الجنائية الحديثة، ويضع الفرد والجماعة في صميم عملية العقاب والإصلاح.
يقسم القانون العقوبات البديلة إلى أربع آليات رئيسية، تعكس فلسفة جديدة في التعاطي مع الجريمة:
1.العمل من أجل المنفعة العامة: يهدف إلى تحويل العقوبة إلى منفعة مباشرة للمجتمع، مع مراعاة قدرات الشخص وسنه ومؤهلاته، بما يضمن عدم الإضرار بحياته المهنية أو الأسرية أو التعليمية.
2.المراقبة الإلكترونية: أداة لردع المدان وضبط حركته، دون عزله عن محيطه الاجتماعي، ما يعكس توازنًا بين الحرية والرقابة.
3.التدابير العلاجية والتأهيلية: تشمل برامج تعليمية أو مهنية، علاج نفسي أو علاج الإدمان، والقيود المؤقتة على التحرك، ما يتيح فرصة حقيقية لإعادة تأهيل المدان وتحضيره للاندماج في المجتمع.
4.الغرامة اليومية: تراعي القدرة المالية، وخطورة الجريمة، وقيمة التعويضات، ما يضمن عدالة اقتصادية وتطبيقًا متدرجًا للردع.
المقارنة الدولية تظهر أن المغرب يسير في خط متوازي مع تجارب فرنسا وكندا. ففي فرنسا، أثبتت العقوبات البديلة فعاليتها في الحد من الاكتظاظ السجني وخفض معدل العودة للجريمة بنسبة تتراوح بين 20–25٪، مع برامج متابعة مستمرة للمدانين بعد تنفيذ العقوبة. أما كندا، فتعتمد على برامج إصلاحية متكاملة تربط العقوبة بالمجتمع المحلي، وتدمج التعليم والتأهيل والمراقبة الإلكترونية، مع دعم الجمعيات المدنية. القانون المغربي الجديد يضع البلاد على طريق مماثل، لكنه يحتاج إلى تعزيز البنية التنفيذية، وتطوير برامج متابعة طويلة الأمد لضمان نجاح التطبيق.
القانون لا يقتصر على الأثر الجنائي، بل يحمل بعدًا اجتماعيًا عميقًا: فهو يتيح تحويل العقوبة إلى فرصة للتعلم والعمل والمشاركة المجتمعية، ما يخفف من وصمة السجن ويقوي الروابط بين الفرد والدولة والمجتمع. كما يعكس التزام المغرب بمحاربة الاكتظاظ السجني، وتبني نموذج عدالة جنائية أكثر مرونة وفعالية، قادر على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالجرائم الصغيرة والمتوسطة.
ختامًا، يمثل دخول قانون العقوبات البديلة 43.22 حيز التنفيذ تحولًا نوعيًا في العدالة الجنائية المغربية، ويضع البلاد ضمن الدول التي تراهن على العدالة الإصلاحية المستدامة، كأداة لإعادة الإدماج الاجتماعي، وتقليص معدلات العود، وبناء مجتمع أكثر أمانًا وعدالة. تطبيق هذا القانون بنجاح سيكون مؤشراً حيوياً على قدرة المغرب على الجمع بين الالتزام الحقوقي وفعالية السياسة الجنائية، في إطار رؤية شاملة للتنمية المستدامة والأمن الاجتماعي