تمغربيت: فتيحة شاطر
يشهد الملف الليبي منذ أسابيع توتراً متصاعداً وسط هدوء هش يخفي تحته قابلية الاشتعال في أي لحظة. في هذا السياق، جاءت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لتؤكد أن تفاهمات موسكو–أنقرة باتت تمثل الضامن الوحيد لمنع انزلاق ليبيا إلى جولة جديدة من الاقتتال. تصريح يعكس حقيقة باتت واضحة: قرار الحرب والسلم في ليبيا لم يعد ليبياً خالصاً.
التفاهم الروسي–التركي: توازن حذر على أرضٍ رخوة
منذ تدخل الطرفين في الحرب الليبية سنة 2019—روسيا عبر “فاغنر” وتركيا عبر دعم حكومة الوفاق بطائرات مسيرة ومستشارين—أصبح التفاهم بين موسكو وأنقرة بمثابة صمّام الأمان المؤقت للحدّ من الانفجار العسكري. وقد أعاد لافروف تأكيد هذا الواقع، قائلاً إن الجانبين اتفقا على “استخدام نفوذهما على الأطراف الليبية” لمنع التصعيد.
هذا النفوذ ليس نظرياً، بل فعّال، ويُترجم على الأرض من خلال التنسيق بين موسكو وتركيا، اللتين تتقاطع مصالحهما عند نقطة الحفاظ على توازن الساحة الليبية دون حسم نهائي، لضمان استمرار دوريهما كراعيتين للسلام المحتَكر.
حفتر بين استعراض القوة وإعادة التموضع
في الشرق، يبدو أن المشير خليفة حفتر يُعيد ترتيب أوراقه. الاستعراض العسكري الضخم في بنغازي، بحضور مسؤولين روس كبار، لم يكن مجرد احتفال رمزي، بل رسالة سياسية واضحة: حفتر لم ينسَ طرابلس، ويحتفظ بـ”الكلمة الحاسمة” كما قال.
لكن حفتر لم يتحدّث فقط بالسلاح. تشير التسريبات إلى تقارب متزايد بين معسكره وبعض الميليشيات في طرابلس، خصوصاً عبر نجله صدام، الذي يُقال إن له نفوذاً بات يُضاهي نفوذ الدبيبة. ما يجري اليوم ليس تحضيراً لهجوم عسكري، بل عملية اختراق سياسي واجتماعي في غرب البلاد.
طرابلس: انقسامات تنهش حكومة الدبيبة
في المقابل، تعاني حكومة الوحدة الوطنية من تهالك داخلي متسارع. الاشتباكات الأخيرة، ومحاولات تفكيك قوة الردع وجهاز دعم الاستقرار، كشفت عن حجم الصراع داخل العاصمة، وعن افتقار الدبيبة إلى السيطرة الكاملة على أدوات الحكم. ويبدو أن تركيا تدخلت مؤخراً لوقف اندلاع معركة جديدة كان الدبيبة يخطط لها ضد بعض الخصوم المسلحين.
هذا التدخل التركي، وإن كان لحظياً، يؤكد مرة أخرى أن طرابلس لا تحكم من الداخل فقط، وأن أنقرة ما زالت تمسك بخيوط اللعبة الأمنية في الغرب الليبي، كما تمسك موسكو بها في الشرق.
سيناريوهات قادمة: من يملك قرار الحرب؟
من خلال كل هذه المؤشرات، بات من الواضح أن ليبيا تقف على حافة مفترق طرق:
•السيناريو الأول: استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، مع بقاء السلام رهين التوازنات الإقليمية بين روسيا وتركيا.
•السيناريو الثاني: انهيار مؤسسات الغرب الليبي وتقدّم حفتر إما عسكرياً أو عبر تفاهمات سياسية.
•السيناريو الثالث: انفجار جديد في طرابلس يقود إلى تعقيد المشهد وعودة دوامة الحرب الأهلية، خصوصاً إذا فشل الحلفاء الخارجيون في احتواء الميليشيات.
الهدوء في ليبيا لا يعني السلام، بل قد يكون هدنة مشروطة بقوة الفيتو الخارجي. ما لم تُستأنف العملية السياسية الليبية على أسس واقعية تشمل كل الأطراف، فستبقى البلاد رهينة لتفاهمات إقليمية مؤقتة قد تنهار في أي لحظة.
ليبيا ليست على شفير حرب فقط، بل على شفير فقدان سيادتها السياسية بالكامل