تمغربيت: محمد غاشي
تاريخيا بنت ألمانيا عقيدتها الخارجية بعيد الحرب العالمية الثانية على اعتبار الدولة الجديدة نقيضا للنازية، وهو أمر مفهوم وكان مرغوبا فيه خاصة في ظل المظلة الأمنية الأمريكية. وشكلت ألمانيا بعبارة عالم السياسة كاغان الدولة الأكثر “فينوسية” في أوروبا، ورفع صناع القرار الألمان شعار “لن تعود الحرب، ولن تعود أوشفيتز!” (Nie wieder Krieg, nie wieder Auschwitz!) .
ومع انتهاء الحرب الباردة، ترسخت مبادئ ألمانيا السلمية، وشعرت برلين وهي محاطة بالأصدقاء، بأن الحرب عفا عليها الزمن وانتهجت سياسة خارجية تنبني على التغيير من خلال التجارة تجاه روسيا من منطلق نيوليبرالي يرى أن الاعتماد المتبادل سيقرب روسيا من أوروبا، وانشغلت ألمانيا ببناء نموذجها الاقتصادي كامبراطورية للصادرات وقوتها الناعمة، واهملت دفاعاتها فرغم اقتصادها القوي كانت المانيا أكثر الدول المعارضة لمطالب الناتو لزيادة الانفاق الدفاعي.
– الغزو الروسي لأوكرانيا واطلاق نقطة التحول:
كان الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا بمثابة صدمة لألمانيا، العملاق الاقتصادي النائم حسب المراقبين. وبددت اوهام السياسة الشرقية ونهج التغيير عن طريق التجارة، كما اطلقت نقطة التحول بحسب المستشار السابق أولاف شولتز في خطابه امام البوندستاغ.
ومع ذلك، نظرا لأن علاقة الألمان بالقوة العسكرية والسياسة الأمنية على نطاق أوسع شكلت موضوعًا حساسًا، فرغم انضمام ألمانيا وقيادتها للعقوبات الاقتصادية على روسيا بيد أن نطاق الدعم العسكري لأوكرانيا شكل نقطة مثيرة للجدل حيث كانت ألمانيا من أكثر العقبات في السماح باستخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب العمق الروسي.
وفيما خصصت ألمانيا صندوقا للدفاع وقامت بتحديث عقيدتها الدفاعية فانها عمليا بقيت مترددة، وهو ما يعتبر بحسب كثير من المتخصصين في الشأن الألماني بأن برلين تقف عند نقطة التحول لكنها لم تتحول بعد.
– هل يشكل قرار ميرز نقطة التحول؟
على خلفية الهجوم الروسي الكبير على أوكرانيا هذا الأسبوع، قال المستشار فريدريش ميرز يوم الاثنين في منتدى غرب أوروبا (WDR) في برلين: “لم تعد هناك قيود على مدى الأسلحة المُسلَّمة إلى أوكرانيا. لا من البريطانيين، ولا الفرنسيين، ولا منّا أيضًا”. وأضاف أنه يجب السماح لأوكرانيا بالرد “بمهاجمة البنية التحتية العسكرية على الأراضي الروسية”.
عمليا، يشكل هذا التصريح نقطة تحول تاريخية بالقياس على ما سبق وقد يمهد هذا الإعلان من جانب الزعيم الألماني الطريق أمام برلين لتسليم صواريخ توروس البعيدة المدى إلى كييف في نهاية المطاف، وهو الأمر الذي رفضته الحكومة السابقة حتى لا تثير استفزاز روسيا المسلحة نوويا.
ويمثل هذا التحول تغيرا كبيرا في السياسة الأمنية الألمانية في ظل الائتلاف الجديد الذي يقوده الديمقراطيون المسيحيون.
وفي حين رفضت الحكومة السابقة بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة أولاف شولتز مرارا وتكرارا تسليم صواريخ توروس – مشيرة إلى مخاطر التصعيد – أشار ميرز خلال الحملة إلى أنه منفتح على ذلك، شريطة أن يكون هناك تحالف مع الحلفاء. ربما يكون هذا الشرط قد تحقق الآن. فقد زودت فرنسا والمملكة المتحدة أوكرانيا بصواريخ كروز بعيدة المدى مماثلة من طراز SCALP/Storm Shadow.
وعد ميرز عقب انتخابه بأن ألمانيا ستُظهر القيادة في أوروبا، وهي القيادة التي لطالما رغبت فيها العواصم الأوروبية ورفضتها برلين مفضلة القيادة من خلف. ويرى الجنرال الامريكي المتقاعد بن هودجز أن المانيا قادرة على القيام بهذا الدور، كركيزة في الأمن الاوروبي لما بعد الولايات المتحدة ليس فقط لأنها أغنى وأكبر اقتصاد في أوروبا، بل أيضًا بفضل موقعها على الخريطة. فهل تمضي حكومة ميرز في تجسيد نقطة التحول عمليا؟