تمغربيت: فتيحة شاطر
في خطوة تبدو على السطح استجابة طبيعية للسياق الجيوسياسي الراهن، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز عن خطة دفاعية طموحة تهدف إلى رفع الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج الداخلي الخام بحلول 2025. غير أن هذا التحديث لا يقف عند حدود العتاد والتكنولوجيا، بل يمتد ليعزز واقعًا استعماريًا صامتًا، يتمثل في تكريس الاحتلال الإسباني لصخور وجزر مغربية على الضفة الجنوبية للمتوسط.
ففي الوقت الذي تُروّج فيه مدريد لخطاب الشراكة وحسن الجوار مع الرباط، تظهر وزيرة الدفاع مارغريتا روبليس عبر بث مباشر تخاطب الجنود الإسبان المنتشرين في جزيرة البوران وصخور فيليز دي لا غوميرا والحوسيماس والجزر الجعفرية، مؤكدة أن “إسبانيا لا تنسى هذه الأراضي، رغم بعدها عنا”. زيارة افتراضية تكشف تمسكًا ثابتًا بتواجد عسكري في أراضٍ متنازع عليها، يعتبرها المغرب محتلة، فيما تصر إسبانيا على معاملتها كجزء من ترابها الوطني.
تحديث العتاد.. وبقاء العسكر
الخطة التي صادق عليها مجلس الوزراء الإسباني تعبئ استثمارات إضافية تتجاوز 10 مليارات يورو، من دون رفع الضرائب أو المساس بالخدمات الاجتماعية، حسب تأكيدات سانشيز. وتندرج هذه التعبئة المالية ضمن التزامات إسبانيا تجاه حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، في ظل أجواء دولية مضطربة تعيد رسم خرائط النفوذ العسكري في المتوسط وأوروبا الشرقية.
لكن المفارقة أن جزءًا من هذا “التحديث الدفاعي” يُصرف على البنية التحتية في الجزر المغربية المحتلة، حيث شرعت إسبانيا مؤخرًا في عمليات تهيئة بجزيرة البوران، شملت تجديد مساكن الجنود، وتطوير أنظمة الإمداد بالماء والكهرباء، وتوسيع الرصيف البحري ليشمل منحدرًا ورافعة جديدة. تحركات تؤكد أن الوجود العسكري هناك ليس رمزيًا، بل استراتيجيًا ومرشحًا للاستمرار والتوسع.
الاحتلال الصامت: صخور خارج الضوء
تتجنب مدريد أي إشارة إلى الوضع القانوني للجزر، متمسكة بخطاب “السيادة”، بينما تعتبر الرباط هذه الأراضي امتدادًا لسيادتها الوطنية، في استمرار لمخلفات استعمار لم يُنه بعد فصوله بالكامل. الجزر، رغم صغرها، تحمل رمزية جيوسياسية وأمنية كبرى، خاصة أنها قريبة من ممرات بحرية ومناطق صيد ومواقع إستراتيجية.
واللافت أن هذه المناطق تُدار عسكريًا من مليلية، المدينة المغربية المحتلة بدورها، وهو ما يعكس ترابطًا استعماريا مستمرًا، لا يخلو من رسائل ضمنية تتجاوز مسألة الجنود والسلاح إلى موازين القوى الإقليمية.
مفارقة الخطابين: شراكة فوق الطاولة واحتلال تحتها
في الأشهر الأخيرة، ظهرت بوادر تقارب لافت بين المغرب وإسبانيا، تمثل في تبادل الزيارات والتنسيق الأمني وتطابق في ملفات الهجرة والطاقة. لكن ما يجري في الجزر المحتلة يناقض هذا الزخم الدبلوماسي. فكيف يمكن تفسير استمرار الوجود العسكري الإسباني في أراضٍ يعترف التاريخ والجغرافيا بانتمائها للمغرب، بينما تُرفع شعارات “الشراكة الاستراتيجية” بين البلدين؟
ربما حان الوقت ليعيد الفاعلون السياسيون في مدريد النظر في هذا الإرث الاستعماري الذي بات يُثقل كاهل أي محاولة لبناء علاقة ناضجة ومتكافئة مع الرباط. أما المغرب، فعليه ألا يكتفي بالصمت الدبلوماسي، بل يطرح هذا الملف ضمن أجندة التفاوض، لا كأولوية هامشية، بل كقضية سيادة لا تسقط بالتقادم.
رأي خبير قانوني: التمسك بالسيادة لا خيار آخر
يؤكد الخبير القانوني في الشؤون الدولية، الدكتور أحمد بنسالم، أن “الوجود العسكري الإسباني في الجزر المغربية المحتلة يشكل خرقًا مستمرًا للقانون الدولي الذي يقرّ بسيادة الدول على أراضيها”. ويوضح بنسالم أن “إسبانيا، بتعزيزها للوجود العسكري في تلك المناطق، تتجاهل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالاستعمار وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وتؤكد على أن احتلال الأراضي لا يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية تنموية أو دفاعية مشروعّة”.
ويضيف الخبير أنه من الضروري أن يعيد المغرب طرح هذه القضية في المحافل الدولية، باعتبار أن أي تحرك سياسي مستقبلي مع إسبانيا يجب أن يتضمن الالتزام بإخلاء هذه الجزر وعودة السيادة المغربية عليها.
خلفية تاريخية: الجزر في صلب النزاع
تعود جذور النزاع حول الجزر المغربية المحتلة إلى مرحلة الاستعمار الإسباني للمغرب في القرن العشرين. كانت إسبانيا قد احتلت العديد من الجزر والصخور في البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك جزر تشافاريناس وصخور فيليز دي لا غوميرا وجزيرة البوران، وهي مناطق طالما اعتبرها المغرب جزءًا من أراضيه. ورغم انسحاب إسبانيا من معظم المستعمرات المغربية بعد الاستقلال في عام 1956، إلا أنها احتفظت ببعض الجزر الصغيرة، وهو ما أثار العديد من الاحتجاجات والمطالبات المغربية لاستعادتها.