تمغربيت: فتيحة شاطر
في ظل التوترات المتصاعدة في منطقة الساحل والصحراء، يبدو أن الجزائر تحاول، رغم الحذر الدبلوماسي الظاهر، التوسع في رقعة جغرافية أصبحت مليئة بالمتناقضات، مهددة بتصعيد جديد قد يتسبب في تفجير الوضع الأمني الإقليمي. التحركات الجزائرية الأخيرة في مالي تعد بمثابة قفزة غير محسوبة في سباق التنافس على النفوذ، وهي تُظهر كيف أن الأنظمة المتسلطة، التي تفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة، تلجأ إلى المقامرة بمصير الأوطان في محاولة يائسة للتماسك في وجه الاضطرابات الداخلية.
من خلال دعمها للجماعات المسلحة الانفصالية في شمال مالي، يُظهر النظام الجزائري لأول مرة منذ سنوات أنه مستعد لتجاوز الخطوط الحمراء في الساحة الدبلوماسية، وأنه لا يُمانع من الانخراط في صراعات إقليمية قد تكون لها تبعات غير محسوبة. في الوقت الذي تُعاني فيه الجزائر من ضغوطات سياسية واقتصادية لا تُحمد عُقباها، يبحث الجنرالات في قصر المرادية عن وسيلة للهروب من أزمة خانقة تهدد شرعيتهم.
صحيح أن الجزائر تشعر بالقلق إزاء التأثيرات الأمنية القادمة من الجنوب، لكن هذا التحرك العسكري يمثل، في الواقع، محاولة لفرض هيمنة غير مبررة على الشؤون الإقليمية عبر التدخل العسكري المباشر، وهو نهج يعكس غياب رؤية استراتيجية بعيدة المدى. بدلاً من بناء شراكات حقيقية مع دول المنطقة، وجدت الجزائر نفسها تقامر في مغامرة عسكرية تستهدف مالياً في إطار التحالف مع حركة الأزواد الانفصالية.
فشل الجزائر في فهم حقيقة الوضع في مالي يعكس حالة من العزلة السياسية التي يعاني منها النظام في الجزائر، وهي حالة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتآكل الثقة بين الشعب والدولة. بينما يشهد النظام الجزائري في الداخل تناميًا للغضب الشعبي الناجم عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فإن تصعيده على جبهة مالي هو بمثابة مقابل صاخب لصوت الاحتجاجات الداخلية.
ومع انسحاب الفرنسيين من مالي، وظهور القوى الإقليمية التي تسعى لإعادة تشكيل المشهد الأمني، فإن ما يبدو كفرصة إستراتيجية في نظر القيادة الجزائرية قد يتحول إلى حسابات ضيقة قد تؤدي إلى الانزلاق في مستنقع طويل الأمد. الجزائر، التي لطالما اعتبرت نفسها لاعبًا رئيسيًا في شمال إفريقيا، تجد نفسها الآن في مواجهة تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، تهدد قدرتها على الحفاظ على مكانتها الإقليمية.