تمغربيت:
بقلم الأستاذ: الصديق معنينو
سواء كنت من المُدمنين على موقع التواصل الاجتماعي أو من الزّوار العرضيين، كما هو الأمر بالنسبة لي.. فإن هذه المواقع تكوّن مصدراً غزيراً للأخبار، الصحيح منها أو من يندرج في إطار “الأخبار الكاذبة “. المهم هو أن ما تنتجه هذه المواقع يكوِّن بالنسبة لكل صاحب هاتف نقال فرصة للاطلاع والمتابعة.. بل أصبح الكثيرون مُدمنين على إلصاق عيونهم بشاشة هواتفهم.. وتراهم في المقاهي والحافلات، في المنتزهات والساحات، حتى أثناء الحلاقة والحمام… مما يجعل من هذه المتابعة اللصيقة ظاهرة اجتماعية جديرة بالدراسة والتحليل.
“المجاهدون “
أخذت يوما كاملاً وخصّصته للتّجوال في “غابة المواقع” في محاولة لمعرفة أهم المواضيع التي يتم تداولها وبالتالي تشغل بال الرأي العام.. واندهشت لهذه القوة الخارقة التي يكوّنها “المؤثرون” والمدوّنون المغاربة، رجالاً ونساءً، للدفاع عن وحدتنا الترابية.. إن هذه القوة المغربية هي نِتاج تعبئة شعبية مُخلصة لثوابتها.. ولذلك استطاعت اختراق الحدود المغلقة وزعزعة الخصوم والرد على الذّباب الإلكتروني العامل تحت إمرة العسكر..
لقد فوجئت بوطنية الخطاب ومهنية التواصل (على مواقع التواصل الاجتماعي) وتنوع الأساليب واختلاف المقتربات والكل يصبّ في اتجاه حماية بلادنا والحفاظ على تراثها.. فتحية تقدير لكل هؤلاء «المجاهدين » في سبيل علياء ووحدة المملكة… وهنا لابد من تحية خاصة للمشاركة النسوية الذكية والأنيقة والفاعلة..
القفطان من جديد
إلى جانب هذه الظاهرة الفريدة اكتشفت القفطان المغربي وجمالية تقاسيمه وتناسق ألوانه وأنواعه.. اكتشفت كذلك جمال المرأة المغربية حين ترتدي القفطان مما يجعل منها حاضنة لجزء من الثقافة المغربية.. وضامنة لاستمرار أصالتها وإشعاعها.. ورغم ذلك أجد نفسي مضطرا مرة أخرى إلى المطالبة بمزيد العناية بالتاريخ المغربي في إطار «تمغربيت » التي تقوم على إرث تاريخي عريق وقيم حضارية وتقاليد راسخة وافتخار بهوية الانتماء..
الأباطرة
في المرتبة الثانية وجدت انشغالا بالألعاب الأولمبية في باريس ومباريات الفريق الوطني لكرة القدم والارتياح الذي أبان عنه المدوّنون بعد الحصول على الميدالية الفضية.. ورغم ذلك، لاحظت أن هذه النتيجة إضافة إلى أهميتها لم تُنس عدداً من المدونين انتقاد طريقة تسيير المقابلة مع الإسبان.. مُرجعين ذلك إلى تداخل بين مدربين مغربيين مما خلق بلبلة في صفوف الفريق.. واغتنم البعض هذه الألعاب للاحتجاج على انعدام أي تألق في رياضات أخرى رغم صرف الملايير.. وأوْعَزوا ذلك إلى احتلال بعض الأشخاص لرئاسة الجامعات الرياضية ومكوثهم لعشرات السنين مسؤولين عن تدبير شؤونها وفشلهم في اكتشاف المواهب وإبراز الكفاءات وطالبوا بإبعادهم ومحاسبتهم.. وهنا وجدت نفسي أشاطرهم الرأي داعيا إلى إبعاد هؤلاء الأباطرة الفاشلين.. وفتح المجال أمام دماء جديدة تتولى المسؤولية على رأس الجامعات الرياضية…
النميمة والنرجسية
في الصف الثالث وجدت انشغالات شخصية طاغية على النسيج الأزرق.. نرجسيون يعرضون ألبوم صورهم بدون عياء وآخرون يقصون باستمرار مغامراتهم الشخصية بدون حياء.. وثلة تهوى النميمة والمس بالأعراض وطائفة مختصة في تهنئة الفائزين والترحم على الموتى وجماعة تشتكي وتذرف الدموع مطالبة بالمساعدة وأخرى تحتج على قلة الماء الشروب.. ومحتجون على قلة العدالة وتدهور أوضاعهم الاجتماعية.. لذلك تجد الشيء وضده فتفقد البوصلة… وأمام هزالة ما تقدمه وسائل الإعلام العمومية اهتم الناس بهكذا أخبار يلوكونها ويتبادلونها وكأنها الحقيقة التي لا تقبل النقاش. إن هذه الوضعية هي انعكاس لمجتمع يهتم بالتفاهات نظرا لغياب نقاش صريح وواقعي لأوضاعه الاجتماعية والمعيشية اليومية وغياب قنوات إعلام لها مصداقية.
المستنقع
وأخيرا وجدت نفسي أمام موجة جارفة من الاتهامات الموجهة إلى عدد من كبار المسؤولين في عدة قطاعات استراتيجية.. المدونون يتهمون هؤلاء النافذين باستغلال المناصب والأموال مع ظاهرة الغنى الفاحش وتضارب صارخ للمصالح.. هناك بوضوح تُهمٌ ترافقها أسماء وأرقام وعناوين وصور ووثائق.. وتساءلت هل يدخل ذلك في إطار تصفية الحسابات بين النافذين؟ هل الهدف هو زعزعة بعض المؤسسات الاقتصادية أو الإدارية أو الأمنية؟ هل هناك أيادي أجنبية انسلت لتضرب مصداقية واستقرار بلادنا؟ وبالتالي هل قد يتطلَّب ذلك فتحا لتحقيق قضائي؟… هي أسئلة عديدة تؤرقني نظرا لثقل التهم والطابع العمومي للمتهمين.. وأود الاعتراف بأنني ندمت على هذه الجولة في هذا المستنقع.