تمغربيت:
“الحرمان النسبي” مصطلح تناوله بالبحث والتحقيق السياسي الأمريكي “تيد غور” في كتابه “لماذا يتمرد البشر”.. والذي يؤصل للأسباب التي تدفع الفرد أو الجماعات إلى “التمرد” على السلطة القائمة. وملخص مصطلح “الحرمان النسبي” هي تلك الحالة التي تنتج عند عدم قدرة الفرد على تحقيق مجموعة من الطموحات والتي يرى نفسه بأنه أهل لها.. بناء على تقييمه لقدراته ومؤهلاته، فيلجأ إلى البحث عن المسؤول عن هذا الوضع فيجده في السلطة السياسية.. والتي تمتلك بين أيديها مصير الفرد والمجتمع.
في هذا الصدد، تتشكل لدى المرء مشاعر الحقد اتجاه من يرى أنه السبب فيما آلت إليه وضعيته.. ومن تم يبحث عن الانتقام الذي يرى فيه دفاعا شرعيا عن النفس، تبيح له استخدام جميع الأدوات والوسائل بمنطق “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”.
وللأسف الشديد، قليلون هم الأشخاص القادرون على القيام بعملية الفصل البنيوي بين منظومة الدولة وبنية المؤسسة.. فيسقطون في فخ الخلط الذي يُحول الفرد من معارض إلى خائن.. خاصة عندما يسقط ضحية أساليب الاستقطاب التي يجيدها أعداء الوطن فيتحول من معارض “شريف” إلى خائن وضيع.. وإلى حطب في أيدي الخصوم لضرب منظومة الوطن برمتها.
هذا التكتيك الخبيث هو الذي تلجأ إليه الجزائر، من خلال “تنقيبها” عن الساخطين والناقمين.. والعمل على توفير منصات إعلامية لهؤلاء من أجل تفريغ حقدهم اتجاه الدولة المغربية.. وبالتالي تشكيل قاعدة من المعارضين/الخونة.. يضربون على وتر العرقية تارة، وتارة على وتر الجهوية، وتارة أخرى على وتر المظلومية من أجل تبرير التمرد على ثوابت الدولة. وقديما قال تروتسكي بأن “الحقد من أسهل معاول الصراع الطبقي”.
إن دراسة البنية السلوكية لجميع الأشخاص الذين ارتموا في أحضان النظام العسكري الجزائري.. تجعلنا نقف إلى نقطة التقاء واحدة ألا وهي “الحقد” الناجم عن صدام مع مسؤول أو إدارة أو مؤسسة. وهو ما يدفعنا إلى ضرورة التحليل بعيدا عن منظومة التبرير.. من خلال إعادة بلورة العلاقة بين الإدارة والمواطن.
وإذا كان السجن، على سبيل الاستدلال لا الحصر، هو عقوبة المخالف الذي تجرا على النيل من اللوائح القانونية.. فإن العقوبة يجب أن يقابلها الإصلاح وإعادة الإدماج حتى يتخلص السجين من جميع الأحقاد بمجرد مغادرتها أبواب السجون. ورفض الطلب أو العزل يفرض على الإدارة التبرير المقنع واللباقة في الشرح والتبليغ.. والتحلي بروح الإدارة بعيدا عن إقحام الذاتية في منظومة اتخاذ القرار الإداري.
وملخص الكلام أن المغرب تميز عبر تاريخه الطويل بعلاقة خاصة بين المؤسسة والمواطن.. علاقة موضوعية نعم، ولكنها لا تخلو من ذاتية، على اعتبار أن الأمة المغربية هي، بالمحصلة، أسرة واحدة، لا تتعامل بمنطق العقاب والإقصاء وإنما بمنطق الإصلاح والاحتواء.. وهو السلوك الذي جعل جميع من عارضوا النظام السياسي يقفون تحت سقف الدولة التي تتموقع فوق النظام السياسي والشعب والتراب.. بل هي الحاضنة لهاته المكونات الثلاثة.
صحيح أن الحالات قليلة واستثنائية ولا تصل إلى أن تُشكّل “ظاهرة”.. ولكن اللبيب هو من يتفطن إلى أصل الداء ومكمن البلاء، ويعمل على تصحيح ما يمكن تصحيحه قبل الفوات.. خاصة وان الأمر يتعلق بممارسات انفرادية لا يمكن إسقاطها قطاعيا أو مؤسساتيا.
والمهم أن يشعر الفرد بأنه قادر على التعبير عن حالة “الحرمان النسبي” داخل منظومة الوطن.. وبالتالي ليس هناك ما يبرر البحث على البديل بمنطق “علي وعلى أعدائي” أو “عدو عدوي صديقي”.. لأن الدولة ليس عدوة لأبنائها وإنما هي خادمة لهذا الوطن في بعده الشمولي.. والوطن هو “الأم” التي قد تضحي ببعض الضوابط من أجل فلذة أكبادها، حتى ولو كان الابن عاقا فمصيره أن يرتمي يوما عند أقدامها ويطلب صفحها..