تمغربيت:
بقلم الأستاذ عثمان بن عبد المجيد
الجانب الاقتصادي والمالي
شهدت التجارة الخارجية.. في عهد السلطان محمد بن عبد الله العلوي (1757-1790 م) نهضة كبيرة ، حيث أولى السلطان التجارة اهتمامًا كبيرًا، وسعى إلى النهوض بها وتطويرها.. بالعديد من الخطوات لتعزيز الميدان الاقتصادي والمالي.. من أهمها ما يلي:
عقد معاهدات تجارية مع دول العالم المختلفة
لأول مرة في ظل الحكم العلوي.. يرتبط المغرب بمعاهدات مع دول كثيرة في آن واحد.. وقد تناول أكثرها العلاقات التجارية والاقتصادية بالإضافة.. إلى الشؤون الدبلوماسية وقضايا الأسرى. وكانت انجلترا والدنمارك والسويد ضمن هذه الدول.. وعلى سبيل المثال فقد عقدت معاهدة مع الدنمارك سنة (1751 م) في عهد مولاي عبد الله، سمح بموجبها للدنمارك بإنشاء شركة تجارية.. أصبح لها حق احتكار التجار في مراكز الساحل الأطلسي للمغرب عن مدة أربعين سنة.
وتأكدت المعاهدة بضمانات جديدة.. (سنة 1753 م) ثم (سنة 1757 م) ، وهكذا انهالت على المغرب بضائع.. تستوردها الشركة كالشاي والسكر والأسلحة بأثمان مربحة، في الوقت الذي تُصدر من المغرب الصوف والزيت والشمع والجلد واللوز وسائر.. المنتجات الوطنية التي كانت تعرضها الشركة في الخارج، بأرباح قد تصل إلى 70 في المائة، واستمرت الشركة في توسيع نشاطها لهذا العهد، فكانت تعقد صفقات تجارية بتطوان وطنجة ومراكز الشمال.. وكان الملك فريديريك الدنماركي يملك أكثر أسهم هذه الشركة .
كما أبرم السلطان محمد بن عبد الله، معاهدة جديدة مع الدنمارك في (28 يوليوز 1767 م).. وتنص على تزويد المغرب بالمدافع والخشب والأشرعة والحبال سنويا، مع تحديد مقادير هذه المواد التي كانت تدفع كجزية سنوية، على أن يسمح للتجار الدنماركيين.. بمزاولة نشاطهم التجاري بصفة حرة.
إنشاء مراكز تجارية في المدن الساحلية
مثل الصويرة و فضالة (المحمدية) والدار البيضاء و البريجة (الجديدة) .
كما أمر السلطان ببناء مجموعة من السفن في تطوان.. التي أصبحت ذات أهمية كبيرة في تزويد البلاد بالأسلحة، (سنة 1173هـ / 1759م).
كما أنه أنشأ سفينة جهادية بسلا من طابقين (سنة 1174 هـ/1760م)، وأسند قيادتها للرايس سالم، وكانت تركيا وإنجلترا والسويد مزودين رئيسيين للمغرب، بالتجهيزات التقنية للأسطول
كذلك أمر بترميم السفن المغربية خارج المغرب.. كما هو الشأن في سفينة المستاري التي رممت بإنجلترا وجهزت بالمدافع في عين المكان.
وقامت سلا والرباط بجهد كبير.. في عمليات بناء السفن وترميمها، كما كادتا تستأثران في هذه الحقبة بعمليات الجهاد البحري .
تشجيع التجار على الاستثمار في البلاد
من الإجراءات الأولى التي اتخذت مباشرة بعد بيعة السلطان محمد بن عبد الله، توظيف المكس على الأبواب والسلع والمنتجات الفلاحية؛ واستصدر السلطان لذلك فتوى من فقهاء فاس وغيرهم، كما اعتمد على فتوى هؤلاء الفقهاء في تبادل المنتجات الزراعية الفائضة عن الاستهلاك المحلي، بالأسلحة والمواد الحربية، وهكذا أصبح القمح تارة يتبادل بهذه المواد، وطورا يباع نقدا للخارج، حتى أن الفلاحين بفضل هذا التبادل تمكنوا من أداء ضرائبهم وتكاثرت المراكز التجارية بأكادير والصويرة وآسفي والرباط والعرائش.
وبرهن المخزن عن فعالية نادرة في سنة المجاعة التي امتدت فيما بيـــــــــــن (1190-1197 هـ / 1776-1782 م) و اضطر السكان إلى أن يأكلوا في بعض الجهات، الميتة والدم ولحم الخنزير، وهلك عدد كبير من السكان، وظل الجيش يتقاضى رواتبه بكيفية عادية، ورتب الخبز في مختلف المدن يفرق على المحتاجين في كل حي، وتقاضى سكان البوادي سلفات طائلة من الدولة، ولم يطالبوا بردها بعد أن أخصبوا ورغبوا في ردها، بل أسقطت عنهم حتى الضرائب والمغارم عن السنين المذكورة.
وكان التجار أيضا، يتقاضون سلفات لجلب المواد الغذائية من أوروبا، على أن يبيعوها بثمن التكلفة واستقرت الأحوال بعد ذلك، وعاد المغرب إلى تصدير القمح، حتى سجل سنة (1202 هـ – 1789 م ) تزايد ملحوظ في السفن التي تشحن القمح إلى إسبانيا من مدينة الدار البيضاء(1) .
يمكن القول أن بفضل حنكة السلطان محمد بن عبد الله ، ودهائه السياسي و رؤيته الاقتصادية استطاع القيام بتنمية الاقتصاد الوطني ، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين ، كما ساهمت في تعزيز العلاقات مع دول العالم الخارجي.