تمغربيت:
بقلم الأستاذ محمد زاوي
بحسب بعض المحللين السياسيين، فإن عملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها حركة حماس يوم 7 أكتوبر من العام الجاري.. كانت منتظرة كردة فعل على جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.. إلا أن دقة العملية وكيفيتها وتوقيتها، هو ما لم يكن يخطر على بال متابعي الشأن الفلسطيني.
وقد خلفت هذه العملية وما تلاها من أحداث عددا من الأسئلة، لعل أبرزها: ما أهداف هذه العملية؟ وما سقفها؟
تحاليل مختلفة
ورأى محللون سياسيون، عبروا عن وجهات نظرهم في مقالات، أو خلال مرورهم ببرامج حوارية تلفزية او إذاعية.. أن الهدف المباشر للعملية هو عرقلة تطبيع المملكة العربية السعودية مع “إسرائيل”.. بعدما أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اقتراب موعده في حواره الأخير.
وتقرأ وجهة نظر تحليلية أخرى الحدث على أنه يهدف لا إلى عرقلة تطبيع السعودية فحسب.. بل إسقاط كافة اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها “إسرائيل” مع عدد من الدول العربية.. فبعد أن كادت القضية الفلسطينية تفقد وجودها الكفاحي.. كان لا بد من ردة فعل تعيد القضية إلى سكة المقاومة، يقول ذات التحليل.
إيران.. الحليف الصفوي بأجندات إقليمية
وهناك من ذهب أبعد من القضية الفلسطينية، وربط عملية “طوفان الأقصى” بالأجندة الإيرانية في المنطقة. وهي نفسها الأجندة التي لا يخدمها تطبيع السعودية.. أو على الأقل في هذا التوقيت بالذات.. فيما يرى آخرون أن إيران لم تكن على علم بالعملية، حسب تصريحات بعض قيادات “حركة حماس”.. ولكنها تسعى كغيرها من الأطراف إلى تحقيق بعض المكاسب السياسية من خلال العملية وبعد وقوعها.
هناك تحليل آخر يجب استحضاره، وكلها وجهات نظر مفيدة في الإجابة على سؤالنا الأصلي؛ يقول أصحاب هذا التحلي.. إن العملية نتاج شبه تواطؤ بين “حركة حماس” والولايات المتحدة الأمريكية، والهدف الضغط على اليمين المتطرف داخل “إسرائيل”، أي قلب المعادلة في الكيان الصهيوني لما يخدم مصلحة الأمريكي في المنطقة.. وهو ما قد يخدم المنطقة ككل إذا التزم الأمريكي بتخفيف حدة تدخله في المنطقة إلى أدنى حد.
الاستنتاج المنطقي
فلنبحث قليلا تحت هذه الأهداف؛ ماذا نجد؟ نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تستفيد من الحرب من جهتين.. فمن جهة، يستفيد رأسمالها الصناعي العسكري من أرباح حرب محدودة يحققها ببيع أنواع من السلاح صنعت على المقاس سلفا. ومن جهة ثانية، يستفيد رأسمالها الصناعي المدني من نتائج الحرب، والتي لعل من أبرزها إضعاف “حماس” وردع اليمين المتطرف في “إسرائيل”.. ما من شأنه أن يسهل الخطة الاقتصادية الأمريكية في الشرق الأوسط، للتنافس مع الصين وبديلا للخطة العسكرية.
إيران تعلم ذلك، وتعلم أيضا أن حربا إقليمية ليست في مصلحتها، وأن تدخلها المباشر في الحرب سيضعها في حرج دولي وسيجعلها تسقط في “الكمين”.. ما الحل إذن؟ الخروج من الحرب ببعض المكتسبات.. “لم آمر بها ولم تسؤني”، بل حققت بعض مكاسبي! إذا كان لا بد من سلام في الشرق الأوسط. وإذا كان هذا رأي الصين وروسيا (حليفا إيران في البريكس) والطرف “المدني” في أمريكا وأغلب الدول العربية وأهمها حاليا.. فلا ينبغي لذلك أن يكون على حساب إيران وبالقفز على مصالحها.. هكذا ترى بلاد “ولاية الفقيه” هذه الحرب!
موقف الدول المطبعة
الدول العربية المنخرطة في استراتيجية السلام، نقصد المغرب والسعودية ومصر والأردن والبحرين والإمارات الخ.. هذه الدول ترى اليمين المتطرف في “إسرائيل” عقبة في طريق استراتيجيتها، أي في طريق حل الدولتين وإنضاج نوع من التوافق حول “صفقة ترامب”.. هناك تحفظ على بعض عناصر هذه الصفقة، يفرضها اليمين المتطرف أكثر من غيره.. تراجعه قد يهيئ الأرضية القابلة للتعديل فالتوافق، كما أن تراجعه يتيح فرصة تدخل الأطراف الإقليمية والدولية لفرض المراجعة السياسية على “حماس” في شروط جديدة، كما فرِضت على عرفات بعد سقوط جدار برلين.
الصين وروسيا تعلمان جيدا أن فتح جبهة في الشرق الأوسط من شأنه أن يفقدهما التركيز في جبهتين أساسيتين، أي تايوان وأوكرانيا.. بالإضافة إلى أن السلام في الشرق الأوسط يهمهما، كمختبر لقدراتهما الاقتصادية والثقافية أمام منافس منهك اقتصاديا.. ومكشوف الوجه الثقافي والسياسي، وأمام منظومة تجيد السيطرة أكثر مما تجيد الهيمنة، واعتادت البناء الداخلي بالهدم الخارجي.. هذا المختبر قد يعجل بالانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.. هذا ما تريده روسيا والصين، ويرفضه الطرف الاكثر رجعية في أمريكا.. فهذا الأخير في مصلحته الحرب على النقيض من سياسة ترامب، أما “التنين” و”الدب” فيرغبان في جوّ من السلام..
لكل حساباته في هذه الحرب.. ولذلك فهي جدّ معقدة!