تمغربيت:
تشكل الأعمال الفنية والإبداعية للمبدعين العالميين، توثيقا تاريخيا وتراثيا، بالنسبة للبلدان التي زاروها وكتبوا أو رسموا أو غنوا عنها.. سواء كانوا شعراء، كتابا، روائيين أو رسامين إلخ..
فإذا وثق “دو لاكروا” مثلا الفنتازيا/ الفروسية والخيل والقفطان المغربي في القرن 19 بالمغرب.. فهو توثيق تراثي وتاريخي لجزء من تاريخ وتراث ومجتمع المملكة المغربية والمغاربة..
وإن هو نفسه “دو لاكروا” وثق للدعارة والمجون وقلة الحياء من خلال لوحته الشهيرة “نساء الجزائر” التي أعاد رسمها “بابلو بيكاسو” على طريقته.. في زيارته القصيرة للجزائر (المقاطعة الفرنسية آنذاك).. فهو توثيق لمجتمع دعارة و”أمهات حسن” بامتياز..
طنجة تأثر على الأسلوب الفني للفنان الرسام الفرنسي العالمي هنري ماتيس
في الأسبوع الماضي.. تم احتفاء المعهد الأكاديمي للفنون، التابع لأكاديمية المملكة المغربية بالفنان الرسام الفرنسي العالمي.. هنري ماتيس من خلال تنظيم ندوة حول.. “أثر المغرب في الفنان هنري ماتيس”، شارك فيها باحثون ورسامون مغاربة ومتخصصون جاؤوا من فرنسا وبلجيكا وسويسرا وتونس وأستراليا. فقد كان ماتيس واحدًا من أعظم الفنانين في القرن العشرين، حيث ترك بصمة لا تمحى على الفن الحديث.
الرسام العالمي ماتيس (1869-1954)، أطل على المغرب وتاريخ المغرب وتراث المغرب من خلال زياراته لمدينة طنجة عامي 1912/1913. وبقدر ما كانت طنجة موضوعا لأعمال ماتيس، فقد أثرت طنجة وتجربته الطنجية على تطور أسلوبه الفني .
فماتيس المتأثر بالانطباعية والفنون اليابانية والفنان فان غوخ.. وباعتباره أحد رواد المدرسة الوحشية، المتميزة باستخدام الألوان الزاهية والمتضاربة في الآن ذاته.. للتعبير عن المشاعر والانفعالات.. فتنته الثقافة المغربية، من خلال نافذة طنجة وألوان طنجة؛ بالضوء والألوان والحياة في المدينة، التي كانت تختلف كثيرًا عن فرنسا (الصناعية).. فهو دائم البحث عن التوازن بين (الشكل واللون والإضاءة) في أعماله، فكان يستخدم التباينات والإشارات لإبراز العمق والحجم. كما كان يستخدم التبسيط والتجريد لإظهار جوهر الموضوع دون التفصيل.. وفي طنجة، تأثر ماتيس بالضوء الطبيعي الرائع والألوان الزاهية والأشكال الهندسية المميزة للثقافة المغربية. وقد عكست أعماله الفنية التي رسمها في طنجة هذه التأثيرات بشكل واضح.. فقد وجد في طنجة عالمًا جديدًا مليئًا بالجمال والإلهام.
كان هنري ماتيس دائم التردد على الغرفة 35 من فندق ڤيلا دي فرانس.. المعلمة السياحية والتاريخية آنذاك، دائم العشق للغرفة 35 لأنها عينه التي يرصد من خلالها سكون المدينة الحالمة. مطلا على خليج طنجة الممتد في زرقته وبهائه في وقت لم يكن عدد السكان يزيدون عن الخمسين ألفا.. كان يرصد تفاصيل المدينة العتيقة والأسوار البرتغالية وخلف ذلك جبال أوربا التي تبدو قريبة جدا وعلى مرمى حجر. ومن خلال الغرفة 35 كان ماتيس يطل على طنجة كلها، ونافذته كانت في حد ذاتها لوحة، وإطلالة واحدة عبرها كانت توحي له بعشرات المواضيع واللوحات..
(يتبع)