تمغربيت:
يرتبط الفتح الإسلامي لدى الكثير من الناس بتلك الصورة المثالية لحياة العادلة ومجتمع تسوده المساواة بين الناس من مختلف الأجناس.. وهي الركيزة التي لم تستطع الخلاقة الأموية الإسلامية المحافظة عليها في بلاد المغرب.. مما أدت إلى انهيارها أمام قوة الرجال المغاربة.
ولربما أن بعض القادة الأمويين لم يتعلموا من صواب أسلافهم.. بعدما علموا أن في المغرب رجال أقوياء لا يمكن إخضاعهم بالقوة والعنف.. وهم أمة تقبلت الإسلام حبا وطواعية.. فبفضل رجال المغرب الأمازيغ.. وبقيادة حكيمة من المغربي طارق بن زياد استطعنا فتح الأندلس لؤلؤة المغرب الإسلامي، حيث كان فتحا عظيما جليلا.. “وموسى بن نصير في إفريقية لا يعلم شيئاً من هذا” (1).
الأمازيغ في الأندلس
في هذا السياق كان للمغاربة الأمازيغ حضور قوي بالأندلس.. حتى أن هناك العديد من المناطق حملت أسامي أمازيغية.. نسبة لتواجدهم القوي هناك، فقد كانت “القبائل البربرية.. وقد انتشرت في كل أنحاء الأندلس.. وبخاصة في المناطق الشمالية والغربية المتاخمة للنصارى الراغبين في استرجاع بلادهم” (2)، والذي خلق صراعات ومشاحنات بسبب تهميش المغاربة الأمازيغ.. من طرف الولاة الأمويين وتصنيفهم بمواطنين من درجة ثانية.. وهو الأمر الذي لا يتماشى مع الكاريزما المغربية.
“ولقد حاول أهل المغرب الأقصى.. توصيل نفرتهم من سياسة الولاة هذه، واحتجاجهم على حرمانهم من امتيازاتهم السياسية والاقتصادية.. وعلى اعتبارهم مجرد وسيلة للفتح إلى الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك”(3).. فلم يتم استقبالهم من الأساس، وهو الأمر الذي كان بداية شرارة ما سميت بثورة الأمازيغ الكبرى.
ثورة الأمازيغ
وفي سنة 740 انطلقت ثورة الأمازيغ الكبري بقيادة ميسرة لمطغري.. حيث كانت حملة شرسة اتجه فيها على رأس جيوش الأمازيغ نحو طنجة.. معقل الأمويين تكللت بانتصار ساحق بعدما قتل عمر بن عبدالله المرادي، وحررها من جور وتعسف الولاة الأمويين.. ولم يكتفي ميسرة لمطغري بتحرير طنجة.. فقد قادة جيوشه إلى سوس الأقصى في الصحراء الغربية المغربية.. وقضى على حامية جيوش الأمويين هناك.. وقتل والي الأمويين إسماعيل بن عبيدة بن حبحاب.. لينهي التواجد الأموي في المغرب بصفة نهائية.
معركة الأشراف
وبعد هذه الانتصارات تجبر ميسرة لمطغري ولقب نفسه بالخليفة.. وهو الأمر الذي لم يلقى استحسان عند القبائل الأمازيغية الكبرى.. فأسقطوه وجاء بعده خالد بن حميد الزناتي، فقد كان المغاربة يعلمون أن الخلافة الأموية سيكون لها رد فعل عنيف.. وهكذا كان الرد الأول بمثابة الانتحار من الأمويين حيث حشد والي إفريقية بالقيروان خالد بن أبي الحبيب الفهري جنود هائلة ووقعت معركة الأشراف سنة 740، فكان انتصاراً ساحقا للجيوش المغربية.
“وحينما وصلت أخبار الهزيمة إلى الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، فغضب غضبته الشهيرة، وقال: «والله لأغضين لهم غضبة عربية، ولا بعثن لهم جينا أوله عندهم وآخره عندي»”(4). وبهذا يكون خبر هزيمة موقعة الاشراف قد خلخل أركان الدولة الأموية.. مما دفع الخليفة الأموي إلى إعطاء الأولوية القصوى لإخماد ثورة الأمازيغ بالمغرب.. فكلف كلثوم بن عياض بتجهيز جيش يتكون من 30 ألف جندي من خيرة فرسان الشام والذين يعتبرون من النخبة والعمود الفقري للإمبراطورية الأموية.
معركة باقدورة
وفي سنة 741 وقعت معركة باقدورة قرب مدينة فاس، حيث تواجه فيها الجيشان.. الأموي الجرار والمغربي.. فكان انتصارا خالدا للمغاربة بقيادة خالد بن حميد الزناتي على حساب الإمبراطورية الأموية.. ومات كلثوم بن عياض وبالتالي تم رد الاعتبار للأمة المغربية.. والتي لا تقبل التهميش كما كانت هذه المعركة السبب الرئيسي في انهيار الدولة الأموية.
وكما “في الأندلس حدث نفس الأمر فلم تلبث الثورة أن انتقلت إلى برير الأندلس، الذين أعلنوا العصيان، وبدأوا بجليقية وأستورقة في الشمال الغربي للأندلس حيث الكثافة الأمازيغية البربرية.. فقتلوا العرب وطردوهم من البلاد، إلا ما كان من سرقسطة فقد كانت الغلبة فيها للعرب. وبعد أن ثبت الأمازيغ البربر أقدامهم في تلك المناطق، زحفوا باتجاه المدن الكبرى للسيطرة عليها من خلال ثلاثة جيوش، وفق خطة ذكية أدركت مواطن الضعف في الولاية الأندلسية.”(5)
لتكون هذه صفحة أخرى من صفحات الإمبراطورية المغربية الشريفة، فتاريخنا مشرق ومشرف.. ونعتز به أشد الاعتزاز. ولذلك يجب علينا نحن المغاربة الحفاظ عليه والحفاظ على الهوية المغربية من الضياع بين ظلال الثقافات الاخرى الدخيلة.. وكما نجدد الطلب إلى الجهات المعنية بإعطاء تاريخنا المجيد تلك الهالة الإعلامية التي يستحقها.
المراجع
1 – كتاب “تاريخ افريقية والمغرب” ص54
2 – كتاب “البربر في الأندلس وموقفهم من فتنة القرن الخامس الهجري” ص 105
3 – كتاب “ملامح أزمة افريقية الاقتصادية في القرن الخامس للإسلام” ص105
4 – كتاب “الخوارج من النهروان إلى خرسان” ص155
5 – من نفس المرجع السابق ص 155