تمغربيت
علاقة الأسرة بالدولة.. علاقة فطرية
مرت الأسرة المغربية بمراحل قبل أن تستقر على شكلها الحالي الحديث والنووي (من نواة، وهي الأسرة المكونة من الأبوين وأبنائهما فقط). وكانت علاقتها فطرية طبيعية تتصل بالدولة عن طريق العائلة ثم القبيلة. ف “التقبيلت”، فالكونفدرالية القبلية (أحمد التوفيق، المجتمع المغربي في القرن 19)؛ ثم أصبحت أسرة منفتحة على السوق -بسبب الاختراق التجاري الأجنبي- رغم امتدادها وحفاظها على طابعها التقليدي.. حيث تلتقي الفروع والأصول، وحيث ينتج الفرد لفائدة الأسرة الممتدة؛ ومع تأسيس المغرب الحديث، عبّر المجتمع المغربي عن تنظيمه الأسري في شكل جديد هو الأسرة النووية.
هل تخلت الأسرة المغربية عن خصوصيتها بمجرد تأسيس الدولة الحديثة؟ لم يسبق لها أن تخلت عن خصوصيتها.. بل ظلت دائما في مختلف تشكلاتها، ممتدة ونووية، وحَدة حماية ثقافية وسياسية في المجتمع، يُحفَظ بها الدين والرحم، ويُعاد من خلالها -وبالإضافة إلى مؤسسات أخرى- إنتاج الاستقرار (البنيات القائمة).
عندما كانت تحل بالمغاربة أزمة سياسية أو اجتماعية، كالأزمة التي أصابتهم ب “تشكيل الظاهرة الاستعمارية”.. حافظت الأسرة على دين المغاربة واستمرار نسلهم (راجع “الفطرية” لفريد الأنصاري). وهذا وحده كان كافيا لبعث المقاومة المغربية بعد حين، على الأقل من جهتي: العامل البشري/ الكتلة المقاوِمة، والعامل الإيديولوجي/ السلفية الوطنية؛ يُحفظ الأول بحفظ الرحم، فيما يحفظ الثاني بحفظ الدين.
المجتمع المغربي وتمازج الثقافات..
تمتزج في المجتمع المغربي ثقافات تقليدية وحديثة، وغالبا ما تعمل الأسرة -الأم خاصة-على تربية أبنائها على التقليدية منها.. تلك هي “ثقافة الأم” المرتبطة بالمؤسسات التقليدية عن طريق التأطير الديني. والمقصود بالمؤسسات التقليدية هنا، مؤسسات الأشراف والفقهاء والزوايا (راجع “من ديوان السياسة” لعبد الله العروي). وتبقى الأم أكثر قابلية للتلقي عن هذه المؤسسات والتأثر بها نظرا لتاريخها “الأمومي” ومؤهلاتها الأخلاقية، الدينية والوجودية.
في الأسرة يتعرف الطفل على الدولة في شكلها المصغر قبل أن يتعرف عليها في شكلها الحقوقي.. كقواعد منزلية قبل أن يتعرف عليها كقواعد قانونية عامة مجردة وملزمة (راجع “مفهوم الدولة” لعبد الله العروي).. ومن تم يتعرف على أدلوجتها في “ثقافة الأم”، قبل أن يتعرف عليها ك “ثقافة مدرسية عالِمة” (راجع “من ديوان السياسة” العروي). وقبل أن يتشربها ذهنيا بوسائل رمزية تختص بها المدارس (بيير بورديو، العنف الرمزي: بحث في أصول علم الاجتماع التربوي).
الأسرة المغربية هي النواة الأولى للدولة
من هذا التحليل، نستنتج أن الأسرة هي النواة الأولى للدولة، بها يتماسك المجتمع ويحافظ على “عناصر ربطه”.. وبها تحافظ الدولة على عنصريها البشري والثقافي الإيديولوجي.. وهناك مؤسسات حديثة تؤدي جزءا من هذا الدور، إلا أنها طارئة وهي نفسها تعتمد على الأسرة وتبني على مؤهلاتها.. الأسرة أقدم بكثير، علاقتها بالمجتمع طبيعية قبل أن تكون ثقافية، علاقتها بالدولة تاريخية في منحى “الأسرة قبل الدولة/ الأسرة أساس الدولة”..
من يستهدف الأسرة يستهدف الدولة.. ولذلك فأحكامها الشرعية أمانة بين يدي “أولي الأمر”، ولا يجوز أن تكون محل نزاع بين “حداثويين” و”أصوليين”.. إنها مسؤولية وطنية لا يُستأمن عليها إلا مستأمن على مصلحة الدولة.