تمغربيت :محمد نعيم بومتين
في قلب المغرب، خلال القرن الثالث عشر، كانت أغنام الميرينوس ترعى في سهول المغرب تحت رعاية بنو مرين الذين حكموا البلاد بين 1244 و1465م. لم يكن هؤلاء الحكام مجرد ملوك سياسيين، بل كانوا أيضًا روادًا في تطوير الزراعة وتربية الأغنام، وأولوا اهتمامًا بالغًا بجودة الصوف، ما جعل المغرب مهدًا لسلالة ستصبح فيما بعد أشهر سلالة لإنتاج الصوف الفاخر في العالم.
وقد جاء في كتاب The Mesta أن:
“the merinos were introduced by and named after the Beni-Merines”.
وهكذا أخذت السلالة اسمها مباشرة من بني مرين، لتظل علامة على الإرث الزراعي المغربي، وعلى براعة المرينيين في إدارة الثروات الحيوانية والصناعية.
في مدينة فاس، ازدهرت صناعة الصوف بشكل غير مسبوق، حيث كانت تحتضن أكثر من 100 دكان متخصصة في منتجات الميرينوس. كان الصوف المغربي الفاخر يُصدر ويباع في الأسواق المحلية والدولية، ليصبح مرجعًا للجودة والنعومة، ويضع المغرب في مركز ريادي عالمي في صناعة المنسوجات الصوفية.
لم تتوقف شهرة الميرينوس عند حدود المغرب. فقد أدخلت الدولة المرينية هذه الأغنام إلى الأندلس، حيث ساهمت في تطوير صناعة الصوف هناك خلال العصور الوسطى. وبعد ذلك، سافر الميرينوس إلى فرنسا، ليتم تبنيها في مزارع الأوربيين، ثم شقت طريقها إلى أستراليا ونيوزيلندا، حيث أصبحت العمود الفقري لصناعة الصوف الفاخر، وانتقلت بعد ذلك إلى أمريكا الجنوبية وإفريقيا الجنوبية، لتصبح اليوم حوالي 50% من مجموع رؤوس الأغنام في العالم.
يتميز صوف الميرينوس بالنعومة والمتانة والقدرة على الحفاظ على الحرارة، ما جعله مادة أساسية في صناعة الملابس الفاخرة العالمية. وقد أثبتت هذه السلالة أن إرثًا زراعيًا محليًا يمكن أن يتحول إلى صناعة عالمية ذات أثر اقتصادي كبير.
اليوم، لا تزال الميرينوس رمزًا للفخامة والجودة، وتذكرنا بأن المغرب لم يكن فقط منشأ هذه السلالة، بل أيضًا مهد صناعة الصوف العالمي. من سهول بني مرين إلى الأسواق العالمية، تثبت قصة الميرينوس أن الاستثمار في الزراعة والابتكار يمكن أن يمتد أثره عبر القارات، وأن إرثًا محليًا يمكن أن يغير وجه الصناعة عالميًا، ويجعل المغرب جزءًا أساسيًا من تاريخ صناعة الصوف على مستوى العالم. وتظل أغنام الميرينوس اليوم رمزًا للفخامة والجودة، حيث يستمر صوفها في تغطية احتياجات الأسواق العالمية، من الملابس الفاخرة إلى المنسوجات الراقية، مؤكدة أن الإرث الزراعي المغربي، المدعوم بالخبرة والمعرفة التقليدية، قادر على ترك بصمة مستدامة عبر القرون والقارات