تمغربيت:
كل خطاب إلا ويتوسل لغة ما وأسلوبا ما في اللغة خاص بصاحبه.. أكان تيارا أو حزبا أو كان أديبا أو مؤرخا أو كان ملكا أو رئيسا.. على اعتبار أن اللغة هي وسيلة تفكير قبل أن تكون وسيلة تعبير، وأن الأسلوب هو هو صاحبُه (أي الدال على صاحبهر).. « le style c’est l’Homme » كما قال الحكيم الحسن الثاني..
فمهما كان لملك المغرب “محمد السادس” من استراتيجية وتخطيط ورؤية واقعية واستشراف لمستقبل المملكة.. كان لا بد أن يرفقها بخطاب ولغة وأسلوب خاص.. يتميز بالإيجاز والوضوح والدقة في اختيار العبارات والتركيز على محاور الموضوع دون إخلال أو خروج عن النص.. وقد ورثها عن أبيه بلا شك. فالراحل الحسن الثاني كان متفردا بلغته وخطابه وأسلوبه الخاص بلا منازع.
من الأب إلى ابنه.. سلزك ملكي خالص
وإذا كان الأب يفصل ويبسط ويضرب الأمثال، فالابن عاشق للاختصار بحيث لا تتعد خطبه الربع ساعة.. لكن ما يهمنا هنا أن الخطاب يحظى بمتابعة الشعب داخليا.. لأنه دوما معني بالخطابات السامية.. لكنه يحظى أيضا، بمتابعة دقيقة من لدن رؤساء العالم سواء الأصدقاء أو الخصوم والمحيط الإقليمي والشرق الأوسط.
خذ مثلا أن الخطاب الأخير، مثلا مثلا، علق عليه بايدن ودبلوماسيون من إسبانيا ومختلف الدول في العالم ومسؤولون فلسطينيون، وإعلام دولي ووو.. رغم أن الخطاب لم يدم أكثر من 10 دقائق.. لكنه كان مركزا على عدة محاور همت الداخل المغربي وقضية الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية والعلاقة بالجارة الجزائر إلخ..
خذ مثلا مثلا، الخطاب (سابقا) الذي تطرق فيه الملك للمعايير الجديدة التي سوف تنبني عليها صدق الصداقات ونجاعة الشراكات بين المملكة الشريفة وأصدقائها الجدد والكلاسيكيون وغيرهم.. حيث طرح القاعدة المغربية الجديدة والمبدئية التي تؤطر وتحدد العلاقات التجارية والاقتصادية مع المغرب والتي مفادها أن “المغرب ينظر للعلاقات المغربية مع الدول الأخرى بمنظار الصحراء المغربية”.. فقد تابعها رؤساء العالم أجمع، ومن فهمها ووعاها من دول إفريقية وأوربية وغيرها، هرول للاعتراف بمغربية الصحراء.. مما نتج عنه كمثال فقط، اعتراف 10 دول أوربية على شكل اعتراف جماعي بمغربية الصحراء ودعم المقترح المغربي والأممي القاضي بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية..
اللغة والخطاب والأسلوب الملكي واضح الرؤية
فاللغة والخطاب والأسلوب الملكي ووضوح الرؤية، لا يحتاج من جلالته لأكثر من ربع ساعة.. كما لا يحتاج لتسويقه، إلى الجزيرة أو فرانس 24 كما يفعل البلهاء من القوم..
بلهاء يقولون أي شيء ولا شيء ، يتوسلون لغة المقاهي ورجل الشارع، لا يتابعهم الداخل كما لا يهتم بهم الخارج (إلا في حدود).. فمن يتكلم لوسائل الإعلام كل شهر، بمناسبة وبدون مناسبة، بالساعات.. ومن يخلط التاريخ والمعطيات التاريخية فيلاقي عبد القادر بجورج واشنطن مثلا.. ومن يتكلم على المايونيز والبطاطا والكيت شوب والحليب.
ثم من يعِد بطائرات الكانادير كل سنة فلا يفي بوعده مع أن عمر السنة قصير وبالتالي حبل الكذب قصير (وكأن السنة عنده بخمسين ألف سنة مما تعدون ).. ومن يتكلم عن قطار تمنراست وبداية الأشغال بغار جبيلات ولا شيء يتحقق على أرض الواقع.. ومن يتكلم عن الفيسبوك كعامل هدم يخشاه النظام.. ومن يعد شعبه متوعدا المغرب أن “الأمر لن يمر بدون حساب” فتمر السنون فعلا بدون حساب ولا عقاب.. ومن يتكلم عن “كاع الناس تغلبني وانا نغلب طاطا اختي”.. وأيضا الذي يتكلم لشعبه فينصحه للاستيقاظ على ال 5 نتاع الصباح من أجل ساشي حليب.. ومن يتكلم في الصين بكل غباء، أن الجزائر إفريقيا بمرتبة الصين عالميا (وليته أضاف: بمرتبة هارون من موسى) ووو
رؤساء بدون عقل فكيف تكون لهم استراتيجية؟؟
فأي لغة وأي خطاب وأي أسلوب هذا، ليعكس لنا شخصية صاحبه؟ وبالتالي نستشرف من خلاله استراتيجية وتخطيط هذا الرئيس وهذا النظام ؟ إن هذا الخطاب وهذه اللغة وهذا الأسلوب يفضح لنا أن أصحابه لا يمتلكون رؤيا ولا تخطيط ولا استراتيجيا.. يمتلكون فقط الفم المشرك والكتاف الهابطين.
هي مقارنة بسيطة تظهر لنا لماذا يصر الملك والسلطان على نهج سياسة اليد الممدودة التي تعكس سياسة واستراتيجية الوحدة وبناء التكتلات.. على غرار انتماء المغرب بشكل متقدم في العلاقات مع الاتحاد الأوربي، ووضع متقدم جدا مع دول غرب إفريقيا.. وعلاقة استراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي، ورائد لمحور وتكتل غرب الأطلسي، والتكتل الإبراهيمي (مع أمريكا وإسرئيل) فضلا عن العلاقات المتميزة جدا مع الصين وروسيا والبرازيل والهند.. استراتيجية تشمل كل ما هو تجاري وفلاحي وتعليمي وصناعي وفلاحي وصيد بحري وعسكري (ليس للشراء فقط بل للتصنيع العسكري المتطور) ..
كما تظهر لنا كيف يهرب النظام العسكري من هكذا تقارب سيكون لصالح المغرب بنسبة 99% مقابل 1% فقط للجزائر : لأن الأول بلد متنوع الاقتصاد، بينما الثاني ليس لديه شيء غير المحروقات.. ولأن الأول هرب على الثاني بخمسين سنة وبالتالي فتح ُالحدود سيظهر للشعب الجزائري الفرق الشاسع بين المغرب والجزائر في التدبير والتسيير والمؤسسات.. في الديمقراطية والتنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان.