تمغربيت:
بقلم: الحسن شلال
اخترنا لكم مقالا (في الفكر السياسي) لجريدة الشرق الأوسط نشر اليوم: 26 ماي 2023 م.. بقلم: رضوان السيد؛ الكاتب والأكاديميّ والسياسي اللبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية. تحت عنوان : الدولة والشرعية والعنف…
الدولة والشرعية والعنف
منذ التسعينات من القرن الماضي، ذهب مفكرون استراتيجيون إلى أنّ قياس ماكس فيبر (1864-1920) لشرعية الدولة بأنها التي يكون من حقها احتكار العنف لم يعد صحيحاً.. لأنّ قوى أخرى داخل الدولة صارت تمارس العنف ضد السلطات القائمة أو في حضورها من دون أن تكون تلك السلطات قادرةً على المعالجة أو الإخماد!
وقد تفرع على ذلك بحثٌ آخر هو إعادة قراءة أنماط الشرعية باتجاه النقد أو التوسيع. ففيبر نفسه يقول إنّ للشرعية ثلاثة أنماط هي: النمط التقليدي القائم على الأعراف والعادات المتوارثة التي أطبق عليها الناس مثل الأنظمة الملكية. وقد تذكر المراقبون مدى قوة هذا النمط في حفل تتويج الملك البريطاني تشارلز الثالث.. وقد ذهبوا إلى أنّ هذه التقاليد شكلاً ومضموناً تبلغ قرابة الألف عام؛ رغم التغير الكبير الذي طرأ عليها.
أما النمط الثاني فهو النمط الكارزمي، حيث تتجدد وتقوى «شرعية» زعيمٍ قائمٍ وصل إلى السلطة بأسلوبٍ غير تقليدي.. فحقق انتصاراً ردّ به عدواناً أو أسر مخيلة الجمهور بقدراته الخطابية أو الإنجازية. لكنْ إذا كان «القبول» النخبوي أو الشعبي يهبُ نوعاً من الشرعية؛ فهل يمكن المصير إلى اعتباره «نمطاً» رغم أنه لا يتكرر غالباً.. أو قد يتحول طغياناً؟ والنمط الثالث هو النمط الدستوري الحديث الذي يقوى ويتمتَّن بالانتخابات الحرة، والانتظامات القانونية التي تُكسبُه الاستمرار العلني المعروف والمتوافق عليه نمطيةً تجعل من المسوَّغ اعتبارها شرعيةً.. شأن الأنظمة التي سادت في النظام العالمي الحديث والمعاصر.
قرتءة في أنماط الحكم..
وهكذا وفي النمطين الأول والثالث يصحُّ القول باحتكار العنف مسوِّغاً للشرعية استقراراً واستمراراً.. وتحقيقاً لمتقضيات الشرعية التي تظهر آثارها في أنّ الدولة التي تستحقُّ هذا الاسم.. هي التي يتمكن القائمون على السلطة فيها من أن تكون لهم شوكةٌ في الحماية بالداخل، والدفاع أو السيادة تجاه الخارج.
وأصل هذا أتصور مقولة توماس هوبز أنّ الدولة هي المخرج الوحيد من «حرب الكل على الكل».. وعلى حقّها في احتكار العنف أو منعه تقوم شرعيتها من أجل استمرار الاجتماع الإنساني.
من أين أتى إذن «النمط الجديد» إذا صحَّ التعبير، والذي تبزغ فيه فئة أو فئات بالداخل الاجتماعي تمارس العنف السلطوي.. متحديةً الشرعية القائمة من دون أن تتمكن السلطات القائمة من إزالتها؟ يعيد مفكرو الأنظمة السلطوية ذلك إلى القرن العشرين وما بعد الحرب العالمية الثانية.. حين شاعت مقولات حروب التحرير بأميركا اللاتينية وأفريقيا وتفاقمت ظواهر العنف الداخلي في أجواء الحرب الباردة بحيث صار ذلك نمطاً من أنماط الصراع بين الجبارين.. فيتدخل أحدهما أو كلاهما في مناطق نفوذ القوة الأخرى داعماً أو مشجِّعاً. بيد أنّ هذه الممارسات – والتي تنقض أهمَّ وظائف الدولة وميزاتها – تراجعت أو تضاءلت لصالح النمط الحديث للدولة.. وبخاصةٍ عندما تفوقت الولايات المتحدة ونظامها في الوضع العالمي العام والعلاقات الدولية.
تعددية السلطات التي تدعي أحقية استعمال العنف “المشروع”
إنّ العقود الأخيرة شهدت استثناءات معتبرة في الوضع العالمي العام لجهة تعددية السلطات التي تدّعي لنفسها حقّ استخدام العنف تارةً لمقاومة سلطةٍ قائمة.. وطوراً للحصول على حق تقرير المصير لأقليةٍ مضطَهدة، أو أخيراً من أجل القيام بوظيفةٍ أو مهمةٍ كان على الدولة القيام بها وأعرضت عنها أو عجزت. وهذه الصنوف من العنف المسلَّح بداخل الدول موجودة على الأكثر في العقود الأخيرة في أفريقيا والعالم العربي. والملحوظ أنه يظهر في الغالب في أنظمةٍ حصلت فيها انقلابات عسكرية أو تطورات غير عادية، تحولت إلى ما يشبه «النمط» الذي يعني ضعف الدولة وعجزها عن إنفاذ ممارسة «احتكار العنف». ويشير المحلِّلون إلى أنّ هذه الظاهرة: الدولة/ الميليشيات، ظهرت أولاً بالصومال، ثم انتشرت واستمرت في الحرب الباردة وما بعدها وإلى اليوم.
لقد شاعت في مواجهة هذه الظاهرة المخربة للدولة ووظائفها مصطلحات مثل: الدولة الفاشلة، أو الدولة الانقسامية، أو السلطة التي فقدت شرعيتها. وفي العادة، وعندما يتفاقم العنف بين السلطة القائمة والميليشيات، أن يجتمع مجلس الأمن ويُصدر قراراً أو قرارات، ويضغط تحت الفصل السابع من أجل إنهاء العنف لصالح الدولة. ثم تطورت الممارسة إلى التوسط من أجل وقف النار، والسعي للحوار والمصالحة الداخلية. وخلال ذلك كلّه تتوالى التصريحات بالتحذير تارةً من ا…