تمغربيت:
قرارانسحاب المغرب سنة 1984
ذكرنا في الحلقة الماضية انسحاب المغرب في شهر سبتمبر 1984، من “منظمة الوحدة الإفريقية – O.U.A.” والتي تم المصادقة على تحويل اسمها وعنوانها، خلال مؤتمرها المنعقد بليبيا، سنة 2001 إلى “الاتحاد الأفريقي – U.A”. قرار جاء ردا واحتجاجا على قبول المنظمة لعضوية جمهورية الوهم المدعوة ب”الجمهورية الصحراوية”.
وقلنا أيضا أن هذا القرار جاء في خطاب وجهه الملك الحسن الثاني إلى المؤتمرين، بتاريخ الإثنين 18 صفر الخير 1405 موافق 12 نونبر 1984، تلاه بالنيابة عنه في جلسة الافتتاح السيد: أحمد رضا اكديرة مستشار جلالة الملك، ورئيس الوفد المغربي.
قرارالعودة سنة 2016
لكن في شهر يوليو 2016، سيتخذ العاهل المغربي الملك محمد السادس، قرارا بالعودة إلى أحضان الاتحاد الأفريقي بعد 32-سنة من القطيعة. عودة كانت لها أسبابها وخلفياتها وجائت في سياقات خاصة، ذاتية وموضوعية.
وقد عبر جلالته عن هذا القرار عبر رسالة وجهها إلى الرئيس التشادي، إدريس ديبي، رئيس الاتحاد الأفريقي آنذاك، بالقول: “أصدقاءنا يطلبون منا منذ أمد بعيد العودة إلى صفوفهم، حتى يسترجع المغرب مكانته الطبيعية ضمن أسرته المؤسسية، وقد حان الوقت لذلك”، وأنه “لا يمكن للمغرب أن يظل خارج أسرته المؤسسية، ولا بد له من استعادة مكانه الطبيعي والشرعي داخل الاتحاد الأفريقي”. وبالتالي، تقتضي النجاعة أن يعود المغرب ليلعب دوره على المستوى القاري: “يمكن علاج الجسم المريض من الداخل بنجاعة أكبر من علاجه من الخارج”.
لذلك لم يفت العاهل المغربي التذكيربأن “المغرب على الرغم من انسحابه من منظمة الوحدة الأفريقية، فإنه لم يغادر أبداً أفريقيا، وإنما انسحب سنة 1984 في ظروف خاصة”. مضيفا:
“لا يمكن للمغرب أن يظل خارج أسرته المؤسسية، ولا بد له من استعادة مكانه الطبيعي والشرعي داخل الاتحاد الإفريقي” … “بعد تفكير عميق، بدا لنا واضحا أنه يمكن علاج الجسم المريض من الداخل بنجاعة أكبر من علاجه من الخارج”.
سياقات الانسحاب والعودة
وفي سياق قرار العودة، رجع الملك محمد السادس في رسالته إلى القمة 27-للاتحاد الأفريقي المنعقدة في العاصمة الرواندية كيغالي، إلى أسباب وخلفيات وسياق انسحاب 1984 قائلا: إن “المغرب يتجه اليوم، بكل عزم ووضوح، نحو العودة إلى كنف عائلته المؤسسية، ومواصلة تحمل مسؤولياته بحماس أكبر وبكل الاقتناع”.
فبعد 32، لا شك أن السياقات تغيرت والخريطة السياسية لم تعد كما كانت على المستوى القاري؛
فلم تعد سوى بضعة دول أعضاء في المنظمة الأفريقية (أقل من 10دول آنذاك. والعدد استمر في التناقص بعد 2016) تعترف بوهم البوليساريو، و- إيتوبيا utopie – المطلب المتجاوز أمميا، القاضي بتقرير مصير ما تسميه “الشعب الصحراوي” والاستفتاء وبلابلابلا. إذ قررت مجموعة من البلدان سحب اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية الوهمية” التي تفتقر الى الوجوذ المادي الجغرافي والسياسي إلخ.
بينما أصبح المقترح المغربي القاضي بالحكم الذاتي الموسع للأقاليم الصحراوية تحت السيادة المغربية (منذ 2007) يلقى ترحابا أمميا و أفريقيا وعربيا ودوليا.
لذلك عبر العاهل المغربي بقوله: “سيعمل المغرب من داخل الاتحاد الأفريقي على تجاوز كل الانقسامات”، و”سيعمل المغرب من داخل الاتحاد الأفريقي على تجاوز كل الانقسامات”… و”يعتزم المغرب مواصلة التزامه بخدمة مصالح القارة الأفريقية، وتعزيز انخراطه في كل القضايا التي تهمها، والمساهمة، وبشكل بناء، في أجندة الاتحاد وأنشطته”.
“من المؤلم أن يتقبل الشعب المغربي الاعتراف بدولة وهمية، كما أنه من الصعب أيضا القبول بمقارنة المملكة المغربية، كأمة عريقة في التاريخ، بكيان يفتقد لأبسط مقومات السيادة، ولا يتوفر على أي تمثيلية أو وجود حقيقي”.
“الوقت حان للابتعاد عن التلاعب وتمويل النزعات الانفصالية، والتوقف عن دعم خلافات عفا عليها الزمن”، مشددة على وجوب “رفض وإدانة أخطاء ومتاهات الماضي، وشجب التصرفات التي تسير ضد مجرى التاريخ”.
“أليس الاتحاد الإفريقي في وضعية تعارض واضح مع الشرعية الدولية؟ فهذا الكيان المزعوم (الجمهورية الصحراوية) ليس عضوا لا في منظمة الأمم المتحدة، ولا في منظمة التعاون الإسلامي، ولا في جامعة الدول العربية، ولا في أي هيئة أخرى، سواء كانت شبه إقليمية أو إقليمية أو دولية”.
“هل سيظل الاتحاد الإفريقي مصرا على مخالفة المواقف الوطنية للدول الأعضاء، حيث لا تعترف 34 دولة على الأقل، أو لم تعد تعترف بهذا الكيان؟ وحتى ضمن 26 بلدا الذين انحازوا لجانب الانفصال سنة 1984، لم يعد هناك سوى قلة قليلة لا يتعدى عددها 10 دول”.
“إفريقيا المؤسساتية لا يمكنها بعد الآن أن تتحمل أوزار خطأ تاريخي، وإرث ثقيل”، تساءل”
“لا يمكن للمغرب أن يظل خارج أسرته المؤسسية، ولا بد له من استعادة مكانه الطبيعي والشرعي داخل الاتحاد الإفريقي” … “بعد تفكير عميق، بدا لنا واضحا أنه يمكن علاج الجسم المريض من الداخل بنجاعة أكبر من علاجه من الخارج”.
خطاب العاهل المغربي عن العودة من داكار/السنغال
العاهل المغربي وهو يقوم بجولة إفريقية، خاطب الشعب المغربي بتاريخ: 6 نونبر2016 بمناسبة ذكرى مرور 41-عاما على المسيرة الخضراء التي نظمها المغرب عام 1975 لاسترجاع أقاليمه الصحرواية من الاستعمار الاسباني، انطلاقا من داكار العاصمة السنغالية (1). ولم تفت جلالته الفرصة للتطرق لموضوع عودة المغرب التاريخية لأحضان الإتحاد الإفريقي بقوله:
“عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، ليست قرارا تكتيكيا، ولم تكن لحسابات ظرفية. وإنما هو قرار منطقي، جاء بعد تفكير عميق” … والمغرب “لا يتدخل في السياسة الداخلية للدول، ولا ينهج سياسة التفرقة” … و”يأمل أن تتعامل كل الأطراف مع هذا القرار، بكل حكمة ومسؤولية، لتغليب وحدة افريقيا، ومصلحة شعوبها” … وأن عودة المغرب للمؤسسة الافريقية “ستمكنه من إسماع صوت القارة في المحافل الدولية”
(1) سوف ننشر هذا الخطاب السامي والتاريخي في الحلقة القادمة من سلسلة: من الأرشيف.