تمغربيت:
* تقديم: بوسبير شر لا مفر من التوقف عنده
رمضانيات الثقة فالوثيقة، وبحلقتها الخامسة تنتهي لقاءات د. عبد الحق الصنايبي ضيفا على قناة أسعد الشرعي. لكن بموضوع لا يحبذ المغاربة في غالبيتهم الساحقة الخوض فيه.. لأنهم ذووا أصول وتاريخ وثقافة وتراث غني، يمنعهم من الخوض في أعراض الشعوب وانحطاط أخلاقهم.
لكن أمَا والحال أن الجزائريين جعلوا من سب المغرب والمغاربة والملك والملكية وجبة دسمة يومية لا يملون من تكرارها سواء على مستوى الإعلام الرسمي أو فضاء الإعلام الإلكتروني.. كما أن المرأة المغربية تُستهدف يوميا وتهان على قنواتهم الرسمية والرقمية.. أما وأنهم يتهمون المغرب في عرض نسائه ويرمونه بكل القاذورات من قبيل السياحة الجنسية والدعارة ووو أما وأن هذا العفن دام واستمر لسنين عدة.. أما والحال أن الجزائر كلها لا يوجد فيها أو بها أو فوق أرضها ولا تحت سمائها رجل واحد ناصح رشيد – فقيه كان أو يوتيوبرز صحفي كان أو مفكر- يخرج عليهم ناصحا لهم أن اتقوا الله عباد الله في جيرانكم ونساء جيرانكم المسلمات مثل اخواتكم!! وكأن الأمر عام يشمل كل الشعب الهوكي..
فلم يبق للمغاربة اختيار، بعد أن أجبروا على معاملة المثل بالمثل ومقابلة العين بالعين والسن بالسن. فلم يتبقى لهم سوى كشف وفضح المستور والخوض في هكذا ملف مع الخائضين.. لتنجلي الأمور وتتضح الرؤية.. من هذه الزاوية لا غير ومن هذا المنطلق ليس إلا؛ منطلق الغيرة على الوطن وصون سمعة الوطن.. والذود على عرض المرأة المغربية وشرفها.. انبرى -مرغما/مجبرا/مكرها أخاك لا بطل- الدكتور الصنايبي للخوض في ملف ما يسمى عندهم ب “بوسبير”؛ كلمة دالة وحَمّالة لكل معاني الزفت من قبيل الدعارة والجنس والفساد وأبناء الزنى ووو..
* بوسبير أصل وتراث جزائري منذ الحكم العثماني
فما علاقة بوسبير بالمغرب والمغرب ببوسبير – وما هو هذا البوسبير أصلا ومتى دخل إلى المغرب وكيف دخل – والأهم من هذا وذاك، هو من أين دخل بوسبير هذا إلى المغرب؟ لماذا ومن أين؟ وكيف ومن أين؟ ومتى ومن أين؟ ولا تقل لي أن هذا الشر جاءنا من الغرب.. فالتاريخ حكى لي أن الشر كل الشر جاءنا من الشرق (حرب الرمال وامغالا وأحد وامغالا اثنين والبوليساريو وطرد 350 ألف مغربي يوم عيد الأضحى ونصف قرن من الحرب المعلنة على المغرب واللائحة سوداء وطويلة).. اسئلة كثيرة وملف غامض.. وقليلون هم من تناولوه.. فماذا يقول فيه صاحب الوثيقة؟ وقد عهده متابعوه قارئا ناقدا للوثيقة ودارسا محللا للمراجع التاريخية، كاشفا للمستور معريا على حقائق الأمور.
فاللهم إني صائم.. والبداية في هاته المقالة فعلا وبالتأكيد كما تنبأت.. مصدرها ومنبع عينها وجدت في الشرق – شرق الجدار: كذا قال د. الصنايبي وكذا توصل في بحثه ومن هنا بدأ.. بدأ بالقرن 18 في الجزائر التركية، قبيل رحيل المحتل التركي ودخول المحتل الفرنسي وكأن هذا الرعاع السليط اللسان مقدر له او مقدر عليه، أو قدر لنفسه (وهو الصحيح) أن يعيش ويتعايش مع القابلية للاستعمار والقابلية للذل مع كل الرذائل والموبقات المصاحبة لهما.
د. عبد الحق الصنايبي يفتح لنا مرجع وليام سبنسر “الجزائر في عهد رياس البحر “ليكتشف ويكشف لنا عن الجذور المؤسسة لبوسبير والأصول التاريخية لنشأة بوسبير في وطنه الأصل (والباقي تقليد) ليعري لنا عن التراث المادي واللا مادي للظاهرة البوسبيرية بالجزائر.
يبحر بنا مع وليام سبنسر إلى جغرافيا الجزائر في القرن 18 وزمن حكم الأتراك، الذين سماهم سبنسر برياس البحر في إحالة على القراصنة وهم احط القوم الذين حكموا هذه الجغرافيا.. وصف حقيقي تاريخي دقيق عن انحطاط حكام وانحطاط مجتمع.
* القابلية للاستعمار والذل مقدمات لظاهرة بوسبير
في الصفحة 199-200 يقول وليام سبنسر: دخل الفرنسيون الجزائر بدون مقاومة تذكر.. تلقت القوات الفرنسية وهي تدخل الجزائر تحية صمت.. والرجال الأشداء جالسون في المقاهي يحتسون الشاي ويشربون الغليون.. ذهب عهد وأتى عهد آخر ولا أحد يأبه.
من خلال هذا المقطع تبرز لنا شخصية هذا الرعاع الخاضع المطأطئ الرأس ساكنا ومجرورا أو مفعولا به طيلة قرون. .
وفي الصفحة 120 يقول: “ومهما يكن فإن الفزع من مثل هذا العقاب القاسي الذي ينفذه أناس بالغون في التشدد لم يكن أقل عبرة من التواجد الإيجابي للبغاء الرسمي في مدينة الجزائر. فبالرغم مما كان يشاع من ولع أعضاء الأوجاق بالأطفال الصغار وخاصة اليهود أكثر من ولعهم بالفتيات وتركهم لهن في كثير من الأحيان فإن ما نملك عليه من الوثائق كان فقط… هو تواجد البغايا غير التركيات اللاتي احتفظ بهن لإمتاع العزاب من اليولدشار yoldashar وقد كان تحت إشراف المزور(1) MIZWAR. وكن مراقبات بشدة، ويفتشن بانتظام، ومطلوب منهن أن يعشن في حي مدني خاص محجوز ومقفل على القادمين من خارجه. وقبل زيارة الحي من قبل الزبون كان عليه أن يقدم طلبا إلى المزور يطلب فيه يذكر فيه السعر الذي يستطيع الدخول على أساسه ويحدد اليوم الذي يريد الدخول فيه. وعند ذلك يصدر في شأنه إذْنً. وهذا الإجراء يشبه مثيله في الأقفاص cafes (اقفاص) الموجودة في القسطنطينية.”
غلمان أطفال .. فتيات جزائريات غير تركيات .. حي مغلق خاص بالدعارة والليالي المِلاح .. أتراك منحطون يحكمون ويتحكمون في البلاد والعباد فاسدون مفسدون.. ضرائب تستخلص من دور الدعارة كما هو الحال اليوم في الجزائر تماما ..
هذا هو تاريخ بوسبير في الأصل .. وهذا هو حي بوسبير الأول بشمال إفريقيا .. و هذه هي الجزائر تريكت بوسبير .. من هنا بدأت القصة.
يتبع…
(1) المزور يشبه مدير الشرطة القضائية. على أيامنا وهو موظف سام في نظام الدايات بالجزائر