تمغربيت:
* تقديم
ينقلنا د. عبد الحق الصنايبي من خلال دراسة دقيقة بين السطور لكتاب “محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث (بداية الاحتلال) للمؤرخ الجزائري “أبو القاسم سعد الله” ما بين ص.46 و ص48. ليؤكد لنا ما جاء على لسان شيخ المؤرخين الجزائريبن. فيكشف لنا:
– عن محاولات التدليس والتزوير التي يقوم بها هذا المؤرخ المزور وغيره.. من خلال إبراز التناقضات والحَشْوِ في كلامه بين فقرة وفقرة.
– وعلى أن معنى (الجزائر) في هذا المؤلَّف وجميع كتب تاريخ الجزائر في عهد الحكم التركي يُعنى بها (مدينة الجزائر) وليست جغرافيا وبلاد جزائر اليوم.
– وعلى أن إيالة ووصاية الجزائر كانت لها التبعية المطلقة للدولة العثمانية عبر بيعة السلطان الكبرى بإسطنبول وعبر تحكم الأتراك بمؤسسات وإدارة هذا الإقليم. فعن أي دولة جزائر يتكلمون؟
*تواجد الأتراك كان بالجزائر المدينة. فانتبه!
يتطرق المؤلف إلى معاهدة الاستسلام التي تمت بتاريخ 5 يوليو 1830. ومحضر المعاهدة ختمها من الجانب التركي (ختم الحسين باشا) ووقعها من الجانب الفرنسي (توقيع الكونت دي بورمون).
والبند الأول من المعاهدة ينص على:
” تُسَلَّم قلعة القصبة وكل القلاع الأخرى المتصلة بالمدينة وميناء هذه المدينة إلى الجيش الفرنسي هذا الصباح على الساعة العاشرة” ص.46
فالكلام في المعاهدة إذا منحصر حول مدينة الجزائر ولا حديث على مناطق وهران وتلمسان وبجاية ووو أو دولة تسمى الجزائر.. فمركز ثقل الحكم التركي كما يعلق الدكتور الصنايبي.. كانت تمثله منطقة مدينة الجزائر.. وبالتالي على الدارس لتاريخ الجزائر في العهد التركي أن يتفطن لهذه الجزئية التي غالبا ما لا يذكرها المؤرخون الجزائريون بهذا التفصيل- عمدا -. فيتوهم الدارس أن الأمر يتعلق ببلاد الجزائر كما هي حاليا.. والفرنسيون إذا، بعد إنزال سيدي فرج اتجهوا إلى مدينة الجزائر كمركز ثقل.. فكانت قاعدة لانطلاقهم لاحتلال باقي المناطق التي سوف تُلحَق فيما بعد وتُضاف إلى “الملحقة الجزائرية الفرنسية” والتي ستعرف فيما بعد “بالممتلكات الفرنسية” ولاحقا “بالجزائر الفرنسية”.
هذا نموذج من التدليس الذي مارسه شيخ المدلسين حين يتكلم في هذا الكتاب عن الجزائر وكأنها دولة. وكأنها أيضا بهذه الجغرافية الحالية.
* الدولة عثمانية، والأجزاء مثل الجزائر تابعين لها.
في الفصل الثالث بعنوان: من لإدارة العثمانية إلى الإدارة الفرنسية؛ يعترف المؤرخ المدلس بأن النظم الإدارية بالجزائر التركية كانت تُدار من طرف الدولة العثمانية.
“النظم الإدارية التي أقامها العثمانيون في الجزائر لم تختلف كثيرا عن النظم التي أقاموها في اسطنبول وفي الأجزاء الأخرى من الدولة” ص.47
فجغرافيا الجزائر إذا، لم تكن إلا جزءا وإقليما ووصاية تابعة للإمبراطوربة العثمانية.. التي كانت تتحكم بالإدارة والمؤسسات وكل مفاتح الدولة بجغرافيا وإيالة الجزائر. فعن أي دولة جزائرية يتكلم المؤرخون الجزائريون ومنهم هذا الشيخ المزور للتاريخ؟ فالكلام هنا عن دولة عاصمتها اسطنبول وعن أجزاء تابعة لها من ضمنها الجزائر.
يضيف المؤلف: “يمتاز الحكم العثماني في الجزائر بظاهرة الخضوع للسلطان، كما يمتاز بعدم الاستقرار الإداري.. وقد كان هناك نوع من التفاهم المتبادل بين السلطان والحاكم بالجزائر. فالباشا كان يحاول تمكين سلطته بعد تسميته من الجنود. والبيعة المحلية لا تكفي، إذا لم يباركها السلطان بالفرمان والقفطان المُذَهب وسيف الشرف والعمامة الخاصة. وقد كان في استطاعة السلطان أن يضغط على الباشا بعدم ارسال الأشياء المذكورة أو بمنعه من تجنيد المتطوعين في أناضوليا، وهو إجراء يسبب ضعف الولاية (الجزائر)” ص.47
أنظر إلى قوله هنا: “يمتاز الحكم العثماني” بينما كان يتكلم في مواقع أخرى من الكتاب فيقول: “الجزائر في العهد العثماني”.. والقول ب “الحكم” مختلف عن القول ب “العهد”. فالقول مثلا: “الجزائر في العهد العثماني” توحي انها دولة مستقلة في زمن وعهد العثمانيين ببنما القول الأصح “الحكم العثماني” يعني حقيقة إقليم ووصاية وإيالة الجزائر التابعة تبعية مطلقة للحكم أو الاستعمار التركي العثماني.
إذا من خلال هذه الفقرة يتبين لنا كما يقول الدكتور الصنايبي أنه لم تكن هناك دولة اسمها الجزائر وإنما تبعية مطلقة للحكم أو الاستعمار التركي؛ فالبيعة التامة تكون للسلطان الأعظم بإسطنبول أما الحاكمين للأقاليم فهم مجرد تابعين لسلطته وحاكمين محليين يعينهم الخليفة الاعظم للدولة.
* بقدرة قادر جعل شيخ المدلسين من إيالة الجزائر التركية دولة إسمها الجزائر
بعد كل ما مر بنا في الصفحتين (46 و 48). سوف يعري الدكتور الصنايبي عن التدليس والتزوير الذي يمارسه شيخ المزورين حيث يتكلم في الصفحة 48 عن دولة جزائرية تساعد الدولة العثمانية.. فجعل من إيالة الجزائر التابعة للأتراك دولة حتى هي..
“وكان هناك تعاونا ببن الطرفين في عدة ميادين. ففي الميدان الدولي قطعت الجزائر علاقاتها مع فرنسا بطلب من السلطان (1) عندما كانت هذه في حرب ضد مصر وسورية (1799م). وفي مناسبة أخرى أرسلت الجزائر بقطعة من اسطولها (حوالي ثمانية سفن حربية) لمساعدة السلطان (2) في معركة نافارينو. كما أرسلت ثلاثة سفن لمساعدة الدولة العثمانية في قمع ثورة اليونان” ص.48..
(1): والحقيقة أن السلطان يأمر ولا يطلب فيقال “بأمر من السلطان” وهو الأصح
(2): “بأوامر من السلطان” وهو الأصح وليس كما قال المزور والمدلس “لمساعدة السلطان”.