تمغربيت:
بقلم: عبد الهادي مزراري
تناولت بعض الأخبار زيارة رئيس أركان الحرب في النظام الجزائري؛ سعيد شنقريحة أواخر الشهر الماضي، إلى باريس.. وهو بالمناسبة الحاكم الفعلي للبلاد، في إطار مساعي الجزائر وفرنسا تعزيز علاقاتهما العسكرية على مستويين:
مستوى التنسيق والتزويد..
ألقى توقيت هذه الزيارة، والظروف الإقليمية والدولية، التي تمت فيها، والشكل الذي جرت به.. الكثير من الأسئلة حول المصالح المشتركة والحسابات المتبادلة بين فرنسا من جهة والجزائر من جهة أخرى.
وهنا لا يختلف إثنان حول ذكر المغرب في قلب هذه التنسيقات.. فهو بالنسبة للنظام الجزائري شغله الشاغل، لا يتوقف تفكيره عن اعتباره خطرا عليه. ومكمن هذا الخطر يتجلى في القاعدة التي تقول “كلما تقدم المغرب، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.. كلما شعر النظام الجزائري بالفشل”. وذلك لأنه بنى وجوده و أسس صيرورته على دعم جبهة البوليساريو، وتقسيم المغرب وتشويه صورته.
فرنسا و الاستفادة من الموقف المعادي للمغرب
بالنسبة لفرنسا، تستفيد كثيرا من موقف النظام الجزائري المعادي للمغرب.. وقامت على مراحل متعددة بتطعيمه ودعمه من خلال العلاقات السرية بين الدولة العميقة في فرنسا وبين جنرالات الجيش الجزائري.. خاصة في ضوء التطور الذي يحققه المغرب على الصعيد الإقليمي؛ حيث أصبح مصدر قلق لفرنسا في إفريقيا، وعلى الصعيد الدولي أصبح له حلفاء عبر المحيط.
فرنسا ومنطق العصا من الوسط.. ظاهريا
ظاهريا؛ مسكت باريس، طوال العقود الأربعة الماضية العصا من الوسط بين المغرب والجزائر. وأعطت لنفسها دور المساند الرئيسي للمغرب في مجلس الأمن بخصوص ملف الصحراء، بينما في الواقع كانت فقط تمارس سياسة الباب نصف مفتوح ونصف مغلق.
من جهته، لم يكن يخفى عن المغرب هذا الدور الإبليسي لباريس.. ولكنه ظل يعمل بالحكمة الشعبية المغربية التي تقول “عدي بالنعالة حتى يجيب ربي السباط”. وهكذا لبس المغرب الحداء الجديد، وقلب الطاولة أمام الجميع وفعل ذلك بهدوء، بعدما تمكن من تنويع شراكاته وتعزيز علاقاته الإقليمية والدولية.
تقبل الموقف الجديد للمغرب
لم تتقبل دول أوروبية مثل إسبانيا وألمانيا الموقف الجديد للمغرب.. بعدما عزز خطابه حول وحدته الترابية باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء في دجنبر 2020. لكن تمسك الرباط بموقفها جعل برلين ومدريد تهتديان إلى الطريق الذي يناسبه.. في مشهد يحاكي لعبة السطرنج، بعد إزاحة الموقفين الالماني والإسباني من الرقعة، أصبح “الملك” الفرنسي مكشوفا، ولم يعد بوسعه سوى التنقل بين مربعات معدودة.
المغرب يطالب فرنسا بالخروج من المنطقة الرمادية..
جدد المغرب مطلبه بضرورة خروج فرنسا من المنطقة الرمادية.. لكنها أخرجت تقريرا استخباراتيا تدعي فيه أن من مصلحتها الحفاظ على موقف وسط بين المغرب والجزائر، فبدأ الجليد يكسو سطح العلاقات بين الرباط و باريس. يحدث ذلك في فصل الشتاء من هذا العام وفي عز الحرب الروسية في أوكرانيا.. وما ترتب عنها من انقلابات؛ امتدت من سوق الغاز والنفط إلى إعادة تقسيم النفوذ في العالم.
تحديدا حول هذه النقطة، تم طرد فرنسا من مالي وبوركينا فاسو، ورفعت شعارات مناوئة لوجودها في دول إفريقية أخرى. وهذا كله يعني بالنسبة للإليزيه مجرد الصخرة التي تخفي تحتها جبلا من الجليد.
لقد التقط الساسة الفرنسيون إشارة الإنذار بالخطر وما لم يتحركوا بسرعة.. فإن فرنسا اليوم تشبه تلك التي كتب عنها فكتور هيغو.. “من أجل تمجيد الأموات يقتلون الأحياء” (مظاهرات في الداخل وانتكاسات في الخارج).
تجري عملية تشكيل العالم من جديد، والقوى الكبرى الحقيقية (أمريكا، الصين، روسيا) ماضية في حركة تحاكي زلزلة إعادة تشكيل القارات.. فيما دول القارة العجوز منهمكة بين دعم أوكرانيا في الحرب و إغلاق المعامل، ومواجهة الاحتجاجات الشعبية.
سيناريو الحرب الجزائرية الفرنسية ضد المغرب
عودة إلى فرنسا، في محيطها الأوروبي المريب، لم تجد من وسيلة للنفخ على الرماد بين المغرب والجزائر.. سوى إصدار البرلمان الأوروبي قرارا يدين المغرب في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة.. في حركة تشبه إطلاق النار في الهواء لإثارة انتباه الرباط للخطر الذي يمكن ان يحدق بها.
بالتزامن مع ذلك استقبلت باريس رئيس أركان الحرب الجزائري سعيد شنقريحة، وألبسته خوذة العسكري الحارس، ووقعت معه اتفاقيات عسكرية متنوعة.. وفي غضون ذلك، جرى تسريب خبر قصف القوات الجوية المغربية شاحنة نقل تجارية جزائرية.. وقتلها مواطنين جزائريين؛ إثرها عقد النظام الجزائري مجلسا للحرب.. ترأسه أدبيا عبد المجيد تبون، وحضره شنقريحة العائد توا من باريس.
لم يكشف عن مضمون الجلسة الحربية في قصر المرادية.. حتى ترددت أخبار في صحف أمريكية وبريطانية تشير إلى رسائل بعثت بها الجزائر إلى دول عربية شرق أوسطية يستلهم من مضمونها أنها تعد الأجواء لإعلان حرب على المغرب.. ردا على ما تسميه عدوانا مغربيا على مواطنيها الأبرياء.
الخطاب الحربي الجزائري..
طبعا سبق للنظام الجزائري أن فعل مثل ذلك في مناسبات سابقة، لكن هذه المرة هو مصمم فعلا على الحرب، وهي حرب تتقاسمها مصلحة النظام العسكري في الجزائر من جهة، ومصلحة فرنسا من جهة أخرى؛ التي ترى أن المغرب لم يعد تحت عباءتها، ويجب وقفه عن الحركة بأي طريقة وبأي ثمن.
كان بإمكان سيناريو الحرب الجزائرية الفرنسية ضد المغرب أن يتم، لو أن المنطقة كانت خارج دائرة اهتمام قوى دولية كبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية. حيث اتصلت نائبة وزير الخارجية الامريكي وندي شيرمان على الفور بوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، ونبهته إلى التوقف عن أي عمل من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة.
جاء هذا الاتصال مباشرة بعد إتصال أجراه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع نظيره الأمريكي انطوني بلينكن.
سواء تعلق الأمر بالنظام الجزائري أو بفرنسا، فالمعلومات الجديدة التي باتت تغطي الجزء الكبير من الشاشة هي دخول الولايات المتحدة على الخط، وإذا كان من مصلحة فرنسا إدخال المغرب والجزائر في حرب، فإن ذلك يتنافى مع المصلحة الأمريكية، وفي قواعد الفقه الماء يرفع التيمم.
بات من الآن فصاعدا على فرنسا أن تدرك الطريق الذي يتعين عليها أن تسلكه، بحسب حجمها الحقيقي وقياسا بالظروف المتغيرة في العالم، أما الجزائر اليوم وبسبب سياسة قيادتها العسكرية فهي ممددة على طاولة يتقابل فيها الروس و الأمريكان و الفرنسيين و الإطاليين و ما خفي كان أعظم.