تمغربيت : فتيحة شاطر
أظهرت بيانات منصة “رخص أناليتيكس” خلال شهر غشت الجاري تراجعًا واضحًا في عدد الرخص التي منحتها المصالح الجماعية بالمغرب مقارنة بشهر يوليوز، وهو مؤشر يطرح تساؤلات حول وتيرة التنمية العمرانية والاقتصادية في مختلف المناطق. فقد بلغ عدد رخص البناء المؤشر عليها 5218 رخصة، مقابل 8209 رخص في الشهر السابق، ما يعكس تباطؤًا عامًا في النشاط الإداري المرتبط بالإنجازات العمرانية.
التحليل الأول يشير إلى أن المساطر الإدارية المعقدة تلعب دورًا كبيرًا في هذا التراجع. فالمدة المتوسطة للحصول على رخص البناء للمشاريع الصغرى تصل إلى نحو 35 يومًا، بينما تتضاعف لتصل إلى 80 يومًا في المشاريع الكبرى، ما يوضح أن الإجراءات الإدارية ما زالت تشكل عائقًا أمام المستثمرين والمواطنين على حد سواء. هذا التفاوت في آجال المعالجة يعكس الحاجة إلى تسريع وتيرة الرقمنة وتوحيد المساطر لتقليص الفجوة بين المشاريع الصغيرة والكبيرة.
كما يظهر التراجع في رخص الهدم، والسكن، والإصلاح والترميم، وتسوية الوضعية، انخفاضًا عامًا في النشاط العمراني والخدماتي المرتبط بالجماعات المحلية، وهو ما قد يؤثر على السيولة الاقتصادية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة والمهن المرتبطة بالبناء والتشييد. فعدد رخص السكن تراجع من 5100 إلى 3385، ورخص الهدم من 384 إلى 209، في حين لم تتجاوز رخص تسوية الوضعية 420 بعد أن كانت 997 في يوليوز، ما يعكس انخفاضًا ملموسًا في النشاط التنظيمي الذي يربط المواطنين بالخدمات الجماعية.
ولم يسلم قطاع الأنشطة الاقتصادية من هذا التراجع، إذ انخفض عدد رخص مزاولة النشاط من 1427 تصريحًا في يوليوز إلى 747 تصريحًا في غشت، كما سجّل نشاط احتلال الملك العمومي والمساحات الإعلانية انخفاضًا حادًا، وهو مؤشر على فتور الحركة الاقتصادية المرتبطة بالتراخيص الجماعية، وتأثير ذلك على الاقتصاد المحلي.
ورغم هذا الانخفاض على المستوى الوطني، حافظت بعض الأقاليم مثل إقليم النواصر على ديناميتها في منح التراخيص، مستفيدة من مستوى متقدم في الرقمنة وسرعة الاستجابة للإقبال على الخدمات، ما يوضح أن تحديث الأنظمة الإدارية واعتماد التكنولوجيا الرقمية يمكن أن يكون عاملًا حاسمًا لتعويض الركود النسبي في المناطق الأخرى.
تحليل هذه المعطيات يشير إلى حاجة المغرب إلى إصلاحات إدارية مستمرة، تشمل تبسيط المساطر، تقليص آجال المعالجة، وتعميم الرقمنة في جميع الجماعات الترابية، بما يضمن سرعة منح الرخص ويحفز النشاط الاقتصادي والعمراني. كما يسلط الضوء على تباين الأداء بين الأقاليم، ما يستدعي سياسات متكاملة لتعميم أفضل الممارسات وتحقيق توازن بين المناطق النشيطة والأخرى الأقل أداءً.
تباطؤ منح الرخص في شهر غشت ليس مجرد رقم إحصائي، بل مؤشر على تحديات هيكلية في الإدارة الجماعية، وتأثيراتها المحتملة على التنمية الاقتصادية والعمرانية، ما يستدعي تدخلات عاجلة لضمان استمرار دينامية الاستثمار وتحسين تجربة المواطنين والمقاولات مع الخدمات الجماعية