تمغربيت: فتيحة شاطر
في زمن يتزايد فيه وعي المواطن المغربي بضرورة الشفافية والمساءلة، تبرز بعض الممارسات داخل البرلمان كعائق مؤسساتي صامت يُفرغ وظيفة الرقابة من جوهرها. قضية “فراقشية” دعم استيراد الأغنام والأبقار واللحوم الحمراء ليست مجرد ملف تقني أو إداري، بل مرآة تعكس مدى قدرة السلطة التشريعية على ممارسة دورها الرقابي في مواجهة المصالح، وضد تيارات قد تفضل طي الملفات بدل فتحها على مصراعيها.
فحين تتوافق الأغلبية والمعارضة على تشكيل لجنة استطلاعية، فإن هذا بحد ذاته استثناء في برلمان يُعرف غالبًا بتجاذباته السياسية. لكن المفارقة تكمن في أن هذا الإجماع لا يكفي لإطلاق المهمة، بسبب قيد قانوني داخلي يمنع تفعيل أكثر من مهمتين استطلاعيتين في نفس الوقت. أي أن الرقابة، حتى حين تحظى بالتوافق، قد تُشل بفعل نص تنظيمي جاف يفتقد للمرونة وسرعة الاستجابة.
ولأن النظام الداخلي لا يمنح الأولوية للطلبات حسب تاريخ التقديم، ولا يضع معيارًا شفافًا لترتيب المهام، فإن الكلمة الأخيرة تؤول لمكتب مجلس النواب، الذي يرأسه راشد الطالبي العلمي. وهنا ينتقل الأمر من رقابة برلمانية مستقلة إلى سلطة تقديرية قد تُقرأ سياسيًا، وتفتح المجال للتأويلات.
الخشية الحقيقية اليوم هي أن يتحول البرلمان إلى مؤسسة تتقن تسجيل الطلبات وتدوين المحاضر، لكنها تُخفق في إطلاق المبادرات حين تمس ملفات شائكة كالدعم العمومي، وسلاسل التوريد، واحتكار السوق. وإذا كان استيراد الأغنام والدعم المرتبط به موضوعًا يثير تساؤلات لدى الشارع المغربي، فإن السكوت البرلماني سيكون شراكة ضمنية في تضليل الرأي العام.
المطلوب ليس فقط فتح تحقيق استطلاعي، بل أيضًا إصلاح النظام الداخلي ليواكب تطورات السياق، ويمنح الأولوية لجوهر الرقابة لا لشكلها. ذلك أن “فراقشية” الأغنام ليست مجرد قضية تقنية، بل مسألة تتعلق بالعدالة الاقتصادية، والشفافية، واسترجاع ثقة المواطن في المؤسسات.