تمغربيت:
بقلم الباحث: محمد مسرور
إن المتتبع لتعبيرات السياسة الخارجية المغربية منذ الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى الـ 69 لثورة الملك والشعب.. يجد بأن التوجيه الملكي قد أحدث ثورة دبلوماسية بإعادة رسم ملامح السياسة الخارجية للمملكة.. وذلك من خلال تحديد المقياس الوحيد الذي يمكن أن تقاس به علاقات المغرب الخارجية وهو منظار قضية الوحدة الترابية للمملكة.
في هذا الصدد، أصبح هذا المنظار يشكل عقيدة السياسة الخارجية للمملكة.. فهو الذي يحدد بوصلة التوجهات الاستراتيجية للشراكات الاقتصادية والتجارية مع جميع دول العالم.
وتجسيدا لهذا التوجه فقد عرفت الشراكات المغربية.. “خاصة في المجال الاقتصادي ” مع الدول التي أعلنت صراحة اعترافها بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، تطورا كبيرا مقارنة مع الدول التي لاتزال تتمسك بمواقفها الضبابية تجاه قضية الصحراء المغربية.. أو التي تقبع في المناطق الرمادية وتحاول ابتزاز المغرب بهذه القضية خدمة لمصالحها الضيقة.. وأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة كما وصفهم الخطاب الملكي. من جهة أخرى يجسد الملف المغربي الإسباني البرتغالي المشترك لتنظيم كأس العالم 2030، أهم مظهر من مظاهر مصداقية الشراكات ونجاعتها التي يسعى المغرب إليها في إطار منظار قضية الصحراء المغربية.
أولا: التعاون الاقتصادي المغربي الاسباني
لقد شكل استئناف العلاقات الإسبانية المغربية عقب زيارة رئيس الحكومة الإسباني للمغرب.. نقطة تحول غير مسبوقة في علاقات البلدين، حملت كثيرا من الآفاق التي اتفق قائدا البلدين على تدشينها.. بمنطق الاحترام المتبادل بما يخدم مصالح وسلامة الطرفين. وذلك بعد فترة من التشنج الذي أعقب دخول ممثل جبهة البوليساريو إلى الأراضي الإسبانية بهوية مزورة. ولتكون العلاقة الجديدة بين البلدين مبنية على أسس أكثر صلابة وضعت لها خارطة طريق دائمة وطموحة.
تصور جديد للعلاقات بين البلدين أطلقه الملك محمد السادس
وتنزيلا للتصور الجديد للعلاقات بين البلدين، والذي أعلن عنه الملك محمد السادس.. ترأس رئيس الحكومة المغربي بشكل مشترك.. مع نطيره الاسباني الاجتماع ل 12 رفيع المستوى المغربي الاسباني، لترسيخ الشراكة الاستراتيجية الثنائية.. وترجمة توجهاتها الكبرى إلى خارطة طريق واضحة المعالم. وذلك من خلال التوقيع على جيل جديد من الاتفاقيات ومن مذكرات التفاهم تغطي مجموعة من المجالات.. منها “تدبير الهجرة، والسياحة، والبنيات التحتية، والموارد المائية، والبيئة، والفلاحة.. والتكوين المهني، والضمان الاجتماعي، والنقل، والحماية الصحية.. والبحث والتنمية”. والتي تروم الاستجابة لتطلعات المملكتين وتهدف إلى خلق نموذج للتعاون بين ضفتي المتوسط، في بعديه الأورو -متوسطي والأور و-إفريقي
الاعتراف الإسباني أعطى زخما جديدا للعلاقات بين الرباط ومدريد
إن تغيير اسبانيا لموقفها التقليدي من قضية الصحراء المغربية منح العلاقات بين البلدين زخما انعكس إيجابا على تعاونهما الاقتصادي.. وشكل مفتاحا أساسيا لزيادة حجم الصادرات والواردات بين البلدين، حيث تعتبر اسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب من حيث المبادلات التجارية.. والتي يصل حجمها إلى 242.528 مليون درهم بالنسبة للصادرات و 335.133 بالنسبة للواردات في سنة 2022، في حين جاءت فرنسا في المرتبة الثانية. كما أن المغرب هو الشريك التجاري الثالث لإسبانيا من خارج الإتحاد الأوروبي، وذلك بعد كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
وحسب تقرير لمكتب الصرف المغربي، بلغ حجم التجارة بين المغرب والاتحاد الأوروبي خلال سنة 2022 ما يزيد عن 685 مليار درهم.. ما يمثل 58بالمائة من مجموع التبادل التجاري المغربي مع العالم.
وقد جاءت إسبانيا كأكبر شريك تجاري للمملكة المغربية بنسبة 27 بالمائة من مجموع المبادلات التجارية الثنائية لسنة 2022.. ثم تأتي بعدها فرنسا بنسبة 23 بالمائة تليها إيطاليا بنسبة 7 بالمائة، وتركيا بنسبة 7 بالمائة ثم ألمانيا بنسبة 6 بالمائة.
ومع تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ومدريد فإنه من المرجح أن تتجاوز التدفقات التجارية بين البلدين الأرقام القياسية المسجلة في العام الماضي. كما أن تنظيم حدث كروي عالمي، ألا وهو كأس العالم 2030 في إطار الملف المغربي الإسباني البرتغالي المشترك، سيشكل عاملا مهما للدفع قدما في اتجاه تعزيز الحضور الاستثماري بين البلدين من خلال مجموعة من المشاريع المشتركة. (يتبع)