تمغربيت:
بقلم الأستاذ: الصديق معنينو
خلال زيارة عائلية لأمريكا في نهاية السنة، تابعت وسائل إعلامها وخاصة قنواتها التلفزية.. في موضوع العدوان الإسرائيلي على غزة وسقوط آلاف الشهداء.. كانت المفاجأة أنه في بلاد الحريات، لا يسمح للاحتجاج ضد إسرائيل معتبرين ذلك خطاً أحمر بل أكثر من ذلك لاحظت السكوت أو تهميش الحديث عن أحداث غزة.
كلب أمريكي يصنع الحدث
استفقت هذا الصباح، فوجدت في قناة تلفزية أمريكية، حديثا مطولا حول كلب سقط من أعلى نجد إلى جانب البحر.. وقضى الليلة على كتلة من الحجر والأمواج تهاجمه وهو يلتصق بالصخر.. أخبر صاحبه الشرطة ورجال الإنقاذ.. شاهدت طائرة هليكوبتر تحلق فوق المنطقة يتدلى منها شخص، بواسطة سلك حديدي.. حتى اقترب من الحيوان، رمى عليه قطعة ثوب، فعانقه وأشار على الطائرة فسحبته.. صفق العديد من الناس، الذين تابعوا عملية الإنقاذ، وعبرت جمعية حماية الحيوانات عن ارتياحها.
حادثة مماثلة..
هذه الحادثة ذكرتني بحادثة مماثلة، في ثمانينيات القرن الماضي، أثناء زيارة الملك الحسن الثاني إلى أمريكا. أذكر أنه في منتصف الليل، كلمني الجنرال مولاي احفيظ، وزير القصور الملكية آنذاك، ليسألني.. “لماذا لم تنقل التلفزات الأمريكية وصول سيدنا؟”، وأضاف “في كل القنوات يتحدثون عن كلب.. فما هي القصة”. استطلعت فوجدت أن الكلب الذي احتل الصدارة في تلفزة أمريكا، معرض للإعدام.. بعد أن تسبب في وفاة طفلة حيث عضها واقتلع جزءا من جسدها.. وقد حكيت القصة بكاملها في مذكراتي.
لا مكان لغزة في الإعلام الأمريكي
هكذا، وفي الوقت الذي تقصف فيه الطائرات مدنيين عزل في قطاع غزة.. وفي الوقت الذي قتل فيه ما يزيد عن عشرين ألفا جلهم من الأطفال والنساء.. وأيضا في الوقت الذي دُكت فيه مدينة بكاملها وتم تهجير مئات الآلاف المحرومين من الماء والكهرباء والقوت.. وأدنى متطلبات الحياة، في هذا الوقت تهتم أمريكا بكلب سقط من مرتفع وتخصص له تلفزاتها الصدارة في نشرات الأخبار.
صباح هذا اليوم اختفى الكلب، وظهرت صور للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهو يقوي حضوره على الساحة السياسية الأمريكية، بالمشاركة في انتخابات محلية.. على جميع التلفزات تحدث خبراء في الشأن الأمريكي عن حظوظ ترامب في العودة للرئاسة.. رأى البعض أن عودته كارثة بالنسبة لمستقبل أمريكا لأنه سيعمل على الانتقام.. وقال آخرون بأنه سيؤيد إسرائيل وقد يضرب إيران.. لكنه سيبحث على صلح مع الرئيس الروسي بوتين ويتقاسم معه أوكرانيا.. فيما أكد جانب ثالث أن أمريكا مهددة بحرب أهلية في حال فوزه أو سقوطه. الرأي العام في أمريكا منشغل بترامب وغلظته وعناده ونظراته القاتلة.
كلب أهم من قضية
ولا كلمة عن غزة، باستثناء إشارة إلى أن كاتب الدولة الأمريكي في الخارجية، يستعد لجولة شرق أوسطية جديدة.. وأن حزب الله اللبناني يهدد الاستقرار في المنطقة، وأن الحوثيين يهددون الأمن الدولي للملاحة في البحر الأحمر، كل هذا مرفوقا بخريطة للمنطقة.. القنوات التلفزيونية الأمريكية لا تقدم صور القنابل والدمار وطوابير الشهداء وآلاف الأطفال المشردين.. التلفزات لا ترى فيما يقع في غزة موضوعا صالحا لمشاهديها.
صباح الأحد تصدرت الأخبار استقالة رئيسة جامعة هارفارد، الأمريكية الشهيرة، بعد أن تم اتهامها بمعاداة السامية وتهديدها بالقتل.. وكانت كلودين غاي قد خضعت لاستنطاق عنيف في الكونغرس الأمريكي بعد أن شهدت جامعتها مظاهرات طلابية للاحتجاج على السياسة الإسرائيلية وعدوانها على المدنيين.. ونقلت التلفزات جزءا من الاستنطاق حيث اعتبرت رئيسة الجامعة أن المظاهرات الطلابية تدخل في إطار حرية التعبير في جامعة تميزت بالانفتاح والاستقلالية.. ورأت القنوات الأمريكية أن استقالتها كانت أحسن قرار اتخذته منذ تعيينها في هذا المنصب منذ ستة أشهر.. أمريكا بلاد الحريات تعاقِب رئيسة جامعة هارفارد لأن الطلاب تظاهروا في الحرم الجامعي وأدانوا العدوان على المدنيين.
أمريكا، وخاصة الغرب عامة، عندما يريدون التضييق على الدول الضعيفة يتهمونها بعدم احترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في التظاهر والتعبير عن آرائها، لذلك يبدو أن المشاهد الأمريكي يفضل عضة كلب عوض قصة شعب تحت القنبلة..