تمغربيت:
كان للعلماء مكانة خاصة في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي.. حيث حظوا باحترامه وتقديره، وكان يحرص على مجالستهم ومناقشتهم في مختلف القضايا، وهو ما ساهم في تحقيق العديد من الإصلاحات، والتي من أهمها :
• « تعزيز التعاون بين السلطة السياسية والعلماء » :
ساهمت المجالس السلطانية التي كانت تنعقد بين السلطان محمد بن عبد الله والعلماء في تعزيز التعاون بين السلطة السياسية والسلطة العلمية (هيئة العلماء أو دار الإفتاء).. حيث كان السلطان يستشيرهم في العديد من القضايا، أذكر منها مناظرات السلطان الجليل سيدي محمد بن عبد الله، مع علماء فاس وغيرهم لما فكر في إحداث ضريبة خاصة لمصالح استدعاها الحال فكانت هناك مساجلات ومحاورات وكتب العلماء في ذلك رسائل مختلفة النزعة كل حسب اجتهاده ومؤهلاته العلمية.
• « تطوير التعليم » :
إن أول ما يثير انتباه الدارس لحياة هذا الملك العظيم وحبه للعلم وإقباله عليه منذ نعومة أظافره وتكريمه لعلماء ومحبتهم ورعايتهم.. يؤيد ذلك ويؤكده أنه بمجرد بيعته ودخوله إلى فاس كان أول ما فعل هو اتصاله بالعلماء والفقهاء والتعرف عليهم واحدا واحدا .
كما أقبل، رحمه الله، على كتب الحديث والسيرة فأخذ يدرسها ويدارسها العلماء. ولم يقتصر على الموجود منها بالمغرب فاستجلب من المشرق المساند واستقدم العلماء لحضرته.. وانتقى منهم الكبراء لمجالسته ومذكراته واتخذ لهم مجلسا حديثا رسميا. فكان يجلس إليهم بعد صلاة الجمعة بمقصورة الجامع بمراكش يذاكرهم الحديث ويشرحه وهم يدونون ويكتبون.. وممن كان يضمهم مجلسه الحديث العظيم الشيخ حمدون بلحاج وأبو عبد الله محمد الغربي الرباطي وأبو عبد الله محمد المير السلاوي وأبو عبد الله محمد الكامل الرشيدي وأبو عبد الرحمن بوخريص وغيرهم كثير .
المجالس العلمية.. عرف ثابت في تقليد السلطان سيدي محمد بت عبد الله
وقد رتب لمجالسه العلمية أوقاتا مضبوطة لا تتقدم ولا تتأخر حضرا وسفرا سلما وحربا.. وكان يحذو في ذلك حدو أستاذه وقدوته أحمد المنصور الذهبي ويجد فيها من اللذة والمتعة ما يثلج صدره ويملأ عقله حتى كان يقول.. « لقد ضيعنا عمرنا في البطالة » ويتحسر على ما فاته من لذة العلم أيام الشباب.
كما قام بنقل العلماء إلى مراكش من فاس ومكناس وسلا وغيرهما وفرقهم على المساجد فكانوا يدرسون بها ويعلمون الناس ثم يحضرون مجلسه الحديث يوم الجمعة.. كما إن تلك المجالس لم تقتصر على الحديث والسيرة بل كان يجالس الشعراء والكتاب والأدباء ويقرهم ويذاكرهم ويناقشهم.. ومن الأدباء المرموقين بحضرته أحمد بن الونان صاحب الشمقمقية الشهيرة التي شاعت وذاعت ومحمد بن الطيب سكيرج وأحمد الغزال والكاتب الإسحاقي وأحمد عثمان وغيرهم .
التأليف والتدوين.. من حسنات السلطان العلوي
ولم تقف همته عند هذا الحد بل كان يأمر العلماء بالتأليف في الحديث والتفسير وغيرهما.. ويرغبهم في ذلك ويشجعهم عليه فقد كلف ثلاثة من العلماء بشرح «مشارق الصغائي» حيث شرح (الشيخ التاودي بن سودة) الثلث الأول و (الشيخ عبد القادر بوخريص) الثلث الثاني.. و(الحافظ إدريس العراقي) الثلث الأخير إلا أن الموت تخطفه ولم يمهله لإتمام عمله فقام ولده عبد الله بإتمام شرح والده حتى جاء الشرح في عدة أسفار.
كما كلف (الشيخ التهامي بن عمرو) بشرح الأربعين النووية والأديب الغزال بتدوين رحلته الى الأندلس فكتبها وسماها « نتيجة الاجتهاد ».. وأمر ابن عثمان بكتابة رحلته الحجازية فكتبها وسماها « أحراز المعلي والرقيب » .
ولم تقف همة السلطان سيدي محمد بن عبد الله العالية ونفسه الأبية عند هذا الحد بل خلد بالخزانة العلمية المغربية مؤلفات تشهد بطول باعه وعمق معرفته.. من هذه المؤلفات :
الجامع الصحيح الأسانيد المستخرج من ستة مسانيــد
مواهب المنان مما بتأكد على المعلمين تعليمه للصبيــان
الفتوحـات الإلهية الصغـرى
الفتوحـات الإلهية الكبـرى
طبق الأرطاب فيما اقتطفناه من مساند الأئمة وكتب مشاهير المالكية والإمام الحطاب.