تمغربيت:
بقلم الأستاذ: عثمان بن عبد المجيد
الحالة السياسية والاجتماعية في عهد السلطان محمد بن عبد الله العلوي
شهد المغرب في عهد السلطان محمد بن عبد الله العلوي.. (1757-1790م) استقرارًا سياسيًا وازدهارًا اقتصاديًا.. لِما تميّز به من قوة وعدل.. الشيء الذي ساهم في تحقيق الأمن والاستقرار داخل البلاد.
الحالة السياسية
بويع السلطان في أول الأمر خليفة على مدينة مراكش، وهو في زهرة الشباب لم يتجاوز عمره 25 سنة ، ولقد حاول المولى سيدي محمد بن عبد الله.. إصلاح أوضاع مدينة مراكش بمجرد حلوله بها، ولكن العناصر المناوئة له ناصبته العداء، فرجع إلى مدينة آسفي حيث انكب على وضع خطة.. تضمن إقرار الأمن والازدهار والعمران لسائر القبائل المحيطة بمراكش.
وتفطن المتمردون – فيما بعد – لمزايا سياسة سيدي محمد الثالث فبعثوا.. وفود المستشفعين إلى آسفي يطلبون رجوع الأمير إلى مراكش، فتفضل بالاستجابة لهذه الرغبة وعاد.. إلى المدينة متفرغا فيها لأعمال البناء والتشييد وتنظيم الجند ووضع المشاريع.. وتنفيذ ما كان يسعى إليه من إستقرار وعمران.
جيش البخاري
وفي ربيع الأول من عام ( 1162 هـ/1749 م ).. شقت عناصر من جيش البخاري عصا الطاعة.. على والده المولى عبد الله بمكناس وزرهون.. وخطبوا باسمه وأرسلوا يستقدمونه إليهم من مدينة مراكش، ولكن سيدي محمد بن عبد الله برهن على حسن ولائه لأبيه ووفائه له ، فرفض الانسياق لهذه المؤامرة ، بل وبذل جهودا محمودة لإرجاع تلك العناصر.. إلى طريق الصواب وحملهم على التصالح.. وتقديم فروض الطاعة والولاء للسلطان المولى عبد الله.
والحقيقة أن سيدي محمد كان يقظا بعيد النظر، متعمقا في دراسة التاريخ، شديد التمسك بالحق وبوحدة الوطن، فتغلب وفاؤه لأبيه على وسوسة النفس الأمارة بالسوء ، فرفض ما دعاه إليه المتمردون ، ورد عليهم بيعتهم ، وقُبح أعمالهم ، وسعى بعد ذلك في إصلاح ما بينهم وبين والده .
وجاء إلى مكناس عام (1163 هـ).. فوجدهم مستمرين يخطبون باسمه، فدعاهم من جديد إلى طاعة والده ، وتشفع لهم عنده ، ولكنهم لم ينتهوا إذ عادوا سنة ( 1164 هـ ) إلى مراودته مرة أخرى ، ولكنه ردهم إلى طريق الصواب وكتب إلى أبيه فسامحهم وعفا عنهم.
تثبيت السلطة
وفي عام (1169 هـ / 1756 م) توجه إلى سوس ، فأصلح أحوالها، وتمكن من إقرار الأمن فيها ، وتقوية حامياتها ، واهتم بشؤون تارودانت وأكادير ، وتفقد قبائل الشاوية ، وبسط السلطة الشرعية على الناحية كلها ، ثم سار إلى العدوتين والقصر الكبير وشفشاون، وتطوان وطنجة والعرائش فأصلح من شأنها ورتب أعمالها وأقام نوابه على المدن والقبائل واجتهد في إنشاء السفن .
وقد استطاع سيدي محمد بن عبد الله تحقيق كل هذه الأعمال بحنكة سياسية ومهارة عالية وخطط خالية من أي شكل من أشكال القمع والعنف والإرهاب .
ونظرا لما عرف به سيدي محمد بن عبد الله من لين.. في السياسة وحزم وعزم في التدبير والتنفيذ ، ألقى إليه المغاربة زمام أمورهم وبايعوه بعد وفاة والده في فاس يوم 25 صفر 1171 هـ / بداية شهر نوفمبر سنة 1757 م ، فكان سيدي محمد في خلافته الكبرى.. كعهده قي خلافته الصغرى، حين كان نائبا وخليفة لأبيه بيد أن مسؤوليته صارت أعظم، وأعباءه أثقل، لأنه أصبح يسوس ملكا متباعد الأطراف، فكان دائم السعي، متواصل الحركة، لا يهمل شيئا من أحوال رعيته، ويحسن اختيار الرجال والقيام بأعمال الجهاد ورعاية شؤون البلاد، يتعهد الثغور ويتفقد الأطراف ويتغلغل داخل الوطن ، فأعاد إلى النفوس الطمأنينة وإلى الحياة بهجتها، وسار في الناس سيرة حسنة، وبنى المآثر الخالدة، ورعى الدين وأقام العدالة، وجدد للمغرب عزه وصولته ومجده وطولته، وعد مجدد الدين والدولة على رأس المائة .
الحالة الاجتماعية
تعرض المغرب خلال تلك الفترة لمجاعة وقحط شديدين، فرأى الناس من سلطانهم رحمة وشفقة.. خففت من وطأه البؤس والغلاء عليهم، ثم إنه أمر بجلب الأقوات من خارج الوطن وبيعها بأثمانها، ولم ينس إعداد المطاعم للأرامل والأيتام والمساكين، وترتيب الخبز للضعفاء في كل حي من أحياء المدن لتوزيعه على الدور ، حتى قيل إن إعطاءه.. لأهل العدوتين شمل الخواص والعوام زيادة.. على أصحاب الفاقة من أرباب البطاقات ، فكان أمناء الخبز يطوفون به ويطرقون الأبواب.. وكانت المواد الأخرى الضرورية توزع ببطاقات مطبوعة.. يأتي بها الشخص في متم كل شهر ليأخذ من المكلف ما تنص عليه تلك البطاقة ، وشهد على ذلك العدول.
وفي هذه السنين المجدبة أسقط المولى سيدي محمد بن عبد الله.. كل أنواع الخراج والضرائب عن الناس إلى أن عم الخصب وارتفع القحط وعاد الرخاء.
وهكذا وضع سياسة محكمة في ميدان المالية ، واعتمد أنظمة فعالة لتقوية مالية الدولة.. وضبط مداخليها وتحسين مواردها المالية.. بواسطة برامجه الإصلاحية في الميدان المالي، وبذلك نمت مداخيل الدولة وارتفع المستوى المالي للدولة ، وأصبحت قادرة على مواجهة المطالب العديدة.. وتأمين النفقات التي تتطلبها مشروعات التجهيز والتنظيم.. التي كان يقترحها ويسهر على تنفيذها السلطان سيدي محمد بن عبد الله بنفسه.